كان علي أن أودعه مثل طيف مر في داخلي، واستوقفني خارج مساحة الزمن، وكنت أرمي الأسئلة الثقيلة والجملة الباكية دون أن أعرف هل تمزقني الطائرات أم شوارع غزة؟ وهل رحيلك يشابه انتشار الغضب الذي ارتسم في عيني بعد طول غياب؟
لم أعرف أن الحزن يمكن أن يختلط بهذه الصورة، ولم أدرك خلال عام كامل كيف تحولت الأمور إلى مساحات مثقلة بالتفكير، فكلما أردت أن أكتب حاصرتني مساحتان: صورتك و "ثقل" غزة، وتكونت أمامي الرموز التي علي تركها كإرث لأجيال جديدة، فأنا والطفولة صديقان، وأنا أيضا مراهقة دائمة يدهشها الموت وتداهمها الحياة، فتبقى غضة وتتوالي السنين، وأبقى أحن لكلمة تضعني أمام حقيقتي وللحظة ترتعش فيها الثواني فيختلط الحب في داخلي وأعانق الصور التي زينت بها جداري لتذكرني بأنني على موعد مع الفرح، وبأن الحياة تلتف حولي رغم رحيل الأحبة و "غصبا" عن الاصفرار الذي يطاردني في كل المدن لكنه يصبح عرسا للتحدي تحت أشلاء من عشقوني ووسط أكوام حجارة كانت تعج بالحياة وأصبحت الرمز الذي ينطلق من غزة باتجاه صفد، ويعبر بي في كل دروب العشاق التي أغلقتها الجدران العازلة.
عاشقة في زمن التردي.. راغبة في ذروة الرحيل والموت... وهل أملك خيار آخر؟! أم أن عليَّ التحاف التراب وانتظار القدر؟! فما يحدث هو مشكلتي، وربما مشكلة للإناث اللواتي ظهرن في زمن رحيل البريق، فأصبح اختيار المساحات المفتوحة صعبا لكنه يملك متعة تقودنا نحو نشوة تشبه السماء.
عيني على غزة، والآخر معلقة برحيلك، لكن قلبي مازال يخفق وتبع مراهقة تحاول كتابة عشقها على صفحة السماء وترتعش من نظرة ثم تستغرب كيف لم تجف عروقها من الخوف! وكيف لم يصفعها الرحيل أو الموت القادم من مساحة الظلام!! يذهلها قدرتها على الخصب والضحك والنحيب، ويدهشها خفقة قلبها لنظرة عابرة تمر على جسدها بسرعة لكنها تخترقه وترتد لداخلها، فتوقن أن الموت الذي يريد كسر إرادتها لم يوجد بعد، وأن حصار جسدها يشبه حصار غزة لا يمكن أن يجعلها "صُبار" تلفحه الرمال.
عندما رحلتَ عرفتُ أن علي التمسك بخفقات الحياة، وأن تزامن الرحيل مع انفجار غزة سيجعلني عاشقة غاضبة على دوام... وهل غير الغضب يُشعرني بالحياة.