لم يطرأ أي تبدل على علاقات دمشق بطهران خلال عام 2009 . فعلى الرغم من الحديث الغربي وبعض الإقليمي المتصاعد بضرورة فصم عرى تلك العلاقات بل وتقديم إغراءات لدمشق بهذا الباب . فإن البلدين حافظا على تعاون استراتيجي أثبت جدواه وفوائده الكبيرة عليهما وحققا عبر حلفائهما خلال العام مكاسب سياسية مهمة وبالأخص في محطتي : إفشال حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ، وتحقيق حزب الله والجنرال ميشيل عون نقاطا سياسية عالية في المعركة السياسية اللبنانية عبر المجلس النيابي ثم في حكومة الوحدة الوطنية .

زيارات كبار المسؤولين بين البلدين لم تخف وتيرتها منذ الأسبوع الأول من العام وحتى الشهر الأخير منه . الحرب الاسرائيلية على غزة شكلت عنوانا مهما للتنسيق منذ بدايتها تعزيزا لصمود القطاع وبحثا في وسائل إيصال المساعدات الاغاثية لهالي القطاع المحاصرين. وقام رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني علي لاريجاني ـ الذي يوصف على نطاق واسع بالرجل القوي في إيران ـ بإجراء محادثات مهمة مع الرئيس بشار الأسد وكبار المسؤولين السوريين على هامش مشاركته بترويكا البرلمانات الآسيوية مطلع العام ، دعم المقاومة في مواجهة العدوان الاسرائيلي والتركيز على إغاثة الغزاويين شكلت المحور الاساس للزيارة ولتحركات مكثفة بين البلدين ولقاءات المسؤولين الايرانيين مع قيادات الفصائل في العاصمة السورية . وبدا واضحا إن فشل العدوان الإسرائيلي بتحقيق هدفه بكسر المقاومة عزز انتصار سورية وإيران السياسي في مواجهة ما يسمى بالمعتدلين العرب الذين وقفوا متفرجين إن لم يكن بعضهم مساعدا للعدوان عبر تشديد الحصار وتحميل حركة حماس مسؤولية العدوان على القطاع .

تواصلت الاتصالات بين العاصمتين وشكلت الموضوعات الثلاث الفلسطيني واللبناني والعراقي عناوين رئيسة على جدول أعمال الرئيس محمود أحمدي نجاد في دمشق في أيار الماضي ثم قام وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد أقل من شهر بزيارة طهران في إطار "التشاور والتنسيق الثنائي" وحمل معه رسالة من الرئيس بشار الأسد لنظيره الإيراني تلاه محادثات مع وزير الخارجية منوتشهر متكي تناولت العلاقات الثنائية وأوضاع المنطقة.

نجاح الرئيس احمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية بعد حملة انتخابية عاصفة مع منافسه مير حسين موسوي محل إرتياح سوري رغم عدم إبداء أي رد فعل حول السباق الانتخابي. الخطوط العريضة لحملة موسوي وما قيل عن رغبته بالحد من التدخل والدعم لقوى المقاومة وتبني القضية الفلسطينية أثارت القلق من وجود تيار سياسي إيراني قوي لم يكن مألوفا ،ونجاح احمدي نجاد وفق هذا الفهم شكل تعزيزا لخط الايراني التقليدي الذي يجعل من القضية الفلسطينية ومواجهة العدوان الاسرائيلي أولوية .

تهنئة أحمدي نجاد عنوان لزيارة الرئيس الأسد الى طهران في 19 أب وتعزيز العلاقات والتحديات التي تواجه المنطقة نالت الحيز الأهم من جدول الأعمال .

الاتهامات العراقية المفاجئة لسورية بالمسؤولية عن إيواء بعثيين مسؤولين عن تفجيرات بغداد أقلقت الايرانيين من تدهور العلاقات بين صديقها رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي وحليفتها الاستراتيجية سورية . تحرك عاجل قاده متكي بين بغداد ودمشق وأنقرة لكن أي نتيجة إيجابية لم تتحقق حتى اللحظة لأسباب عراقية بالدرجة الأولى ربطت الاتهامات بأجندات انتخابية فيما استقبلت دمشق الخطوة بارتياح وتقدير تقليدي لطهران .

في المقابل دخلت سورية على خط التوسط في التوتر الناشئ بين طهران والرياض . زيارة المعلم للعاصمة الإيرانية مطلع تشرين الثاني الماضي شكلت خطوة أولى لكن المشكلة من التعقيد بمكان يصعب حله ضمن جهود الوساطة فقط. عمق الخلاف واتصاله بأجندات خارجية أوقفا التحرك في بدايته وزاد من لهيب التوتر فيما بعد الاتهامات اليمنية والسعودية لطهران بدعم المتمردين الحوثيين شمال اليمن .

الشهر الأخير من العام شهد كثافة لافتة بالزوار الإيرانيين رفيعي المستوى نحو دمشق. رئيس مجلس الامن القومي الإيراني سعيد جليلي ووزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة العميد احمد وحيدي ثم مستشار قائد الثورة الإيرانية غلام عادل حداد في دمشق خلال أقل من ثلاثة أسابيع تأكيدا على حجم التنسيق بين البلدين . ورغم حدوث الانفجار في حافلة الركاب الإيرانية في منطقة السيدة زينب وتأكيد السلطات السورية بأنه انفجار إطار للحافلة إلا ان الحادث لم يؤثر في سير محادثات جليلي . لم تظهر آثار مباشرة لتلك الزيارات إلا ان تصريح الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة احمد جبريل عقب لقائه جليلي حول جهوزية المقاومة للدفاع عن إيران في حال تعرضها للعدوان أكد بما لم يدع مجالا للشك على أن الايرانيين يأخذون التهديدات الإسرائيلية بجدية ويطلعون حلفائهم السوريين وفي الفصائل على كل التفاصيل أولا بأول.

دمشق وطهران حققا خلال عام 2009 مكاسب سياسية مهمة من خلال رؤيتهما المتقاربة إن لم تكن المتطابقة تجاه كثير من الملفات . كل المؤشرات تؤكد أنهما ماضيتان في الخط ذاته رغم التغيرات المتسارعة في المنطقة ودخول سورية بشراكة إستراتيجية مع تركيا والانفراج على خط دمشق باريس وملامح التقدم ولو كان بطيئا على خط دمشق واشنطن .