أرجو ألا تكون رؤيتي صحيحة ولا أتمنى للمصريين إلا كل خير، ولكني أراني مدفوعا للكتابة حول الجدار "التحت أرضي" الذي تقوم بتنفيذه الجهات المصرية تحت شعار السيادة من جهة والأمن من جهة أخرى، فمن ينظر إلى سكان غزة ومصائبهم يعرف تماما أن هكذا جدار هو جريمة ضد الإنسانية، جريمة بلا مدافع أو قنابل أو رصاص، ولكن المسألة ليست بهذه السهولة النظرية، فالسيادة المصرية تدعي امتلاكها لما هو غرب الحدود الفلسطينية، ولكن الحقيقة قد تكون مختلفة تاريخيا على الأقل، وقد يكون هذا الجزء من سيناء وحتى ممرات مثل الجدي هي أراض فلسطينية، والمصريين هم محتلون لها، وهذا ما قد ينفي السيادة خصوصا إذا جاء تخطيط الحدود على يد مستعمر كبريطانيا شاطر في رسم الخطوط المستقيمة على الخرائط.

من جهة ثانية يبدو هذا الجدار مرشح للتنفيذ داخل مصر المهيأة لانفجار سكاني هائل تجعل من طبقة الأغنياء مضطرة لإقامة هذا الحاجز.

وبالنظر الى حالة غزة التي تمر بمحنة العوز والفاقة هذه الأيام ولكن المرشح العربي الأبرز للعوز والفاقة هو المصري الذي ينتمي إلى أكثر من الثمانين مليون الحالية في ظروف إنتاجية أكثر قسوة من وضع غزة، حيث ما تقوم بها الجهات المصرية في عزل غزة يعطي المبرر للعالم العربي بعزل المصريين عندما يتفعل الانفجار السكاني.

هل يشكل قطاع غزة هذه المساحة البسيطة بالمقارنة مع مصر خطرا على مصر؟ هذا يعاكس إدعاءات الأخت الكبرى التي تدعي امتلاك كافة أسباب السيطرة، ولكن الانفجار السكاني المصري القادم يشكل خطورة على صيرورة الدول العربية في حال تناثر هذا الانفجار نحوها، وبالأساس ليس من مكان يتناثر هذا الانفجار الا نحوها فما العمل؟

لا أحد ينازع المصريين سيادتهم ، ولا أحد يريد أو حتى يطيق، ولكن حالة غزة واضحة للجميع، حتى أن قوافل ولو رمزية من شتى أصقاع الأرض تسعى لإيصال بعض المعونة تطوعا في خضم حالة إنسانية مأزومة تتعرض لها غزة.

في رفح ترتفع الأسعار الى درجة قياسية، أسعار المواد الغذائية والطبية التي يضاف اليها أجور العبور بالأنفاق، هذه الأسعار الكاوية ليست تعبيرا عن تضامن المصريين مع أخوتهم أهالي غزة فقط بل هي حراك اقتصادي مصري رابح، ومنع التصدير عن طريق الأنفاق يعني أن هناك ربحا وطنيا أكبر يحققه الجدار الفولاذي التحت أرضي، ولكن الخسارة الكبرى هي إدخال ثقافة الجدران العازلة إلى الثقافة الاجتماعية ، حيث يمكن تنفيذها عند تفاقم الفقر والانفجار السكاني في مصر المحروسة.