لم يشهد العالم حالة من "الرغبات السياسية" كما حدث منذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض قبل عام تقريبا، وربما كان هذا الأمر ضروريا لتهيئة الظروف التي جاءت بعد إستراتيجية الحروب الاستباقية للإدارة الأمريكية السابقة، لكن حسن النوايا أوجد حالة من الغموض، وخلق أسئلة استفهام فيما إذا كانت الإدارة الأمريكية تعرف تماما طبيعة الخطوات القادمة، أو حتى نتائج الأزمات التي خلقت واقعا خاصا على امتداد الشرق الأوسط.

الرغبات الأمريكية ظهرت في التصريحات والخطب الخاصة بالرئيس الأمريكي، وتم استخدام آليات لإيصال هذه الرغبات مثل الحوار الذي تم فتحه مع سورية، أو حتى في عدم الاستعجال باتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، لكن طرح الـ"رغبات السياسية" يوضح أن السياسة في واشنطن لديها أولويات ربما لا علاقة لها بكل عملية التهدئة التي تحدث اليوم، كما أن انتهاء الضغوط المباشرة أو خطاب الحرب حمل أيضا صراعات مختلفة داخل الشرق الأوسط، فبعد عام على الرئاسة الأمريكية الجديدة يمكن ان نميز حالتين في الشرق الأوسط تحديدا:

 الأول: هو حصر الجبهات العسكرية وعدم السماح لها بالانتشار كما حدث خلال مرحلة احتلال العراق التي شهدت انتشارا للمعارك بدأت بأفغانستان وانتهت بغزة. وعملية الحصر تشكل ضرورة في ظل عدم القدرة على الحسم العسكري، فالخروج من العراق وأفغانستان ربما يحتاج إلى تركيز العمليات العسكرية في مساحة محددة بدلا من بعثرتها.

 الثاني: ظهور ما يمكن أن نطلق عليه "حرب الظلال"، حيث نشهد حروبا سياسية في عمق الكتل الإقليمية التي أثرت بشكل واضح على الإستراتيجية الأمريكية خلال مرحلة احتلال العراق أو القضاء على طالبان في باكستان، والملاحظ هنا ظهور الاضطرابات في إيران، فبعيدا عن نظرية المؤامرة إلا أن ما يحدث في إيران ربما سيشكل تحولا في الدور الإقليمي فيما لو نجحت المعارضة على التأثير في مراكز القرار، مع التذكير أن هذه المعارضة ليست خارج السياق السياسي في إيران، بل هي جزء من تكوينه مهما بدت ضعيفة أو مشتتة.

بالطبع فإن تجدد الاضطرابات في تركيا مع الأكراد لا يخرج عن هذا الإطار، إضافة لحرب تصفية الحسابات التي تحدث في باكستان، وحتى مشاكل اليمن هي بمجملها تفجيرا للتناقضات التي أعقبت المرحلة الأمريكية السابقة، لكنها بمجملها لا تنفصل عن الرغبات السياسية الأمريكية، فواشنطن تتعامل معها وفق سياق سياسي يسعى لتهميش الأدوار الإقليمية الحالية، بما فيها دور حلفائها مثل السعودية وباكستان.

السؤال الذي يظهر بعد عام من التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة: هل هناك أدوار جديدة للحلفاء؟ وهل "المعسكر" المناقض للسياسة الأمريكية سيدخل في مجال جديد؟ كل المؤشرات تنقلنا باتجاه إعادة الترتيب للمنطقة من خلال "الرغبات السياسية" التي تبدو وكأنها نوعا من إعادة الثقة هدفها النهائي تحديد الأدوار الإقليمية بدلا من محاربتها.