هناك ارتباط واضح بين حركة السلام والإرهاب في الشرق الأوسط، وهي جدلية ربما يرسمها سياق الأحداث أكثر من كونها ارتباط منطقي، فالتوتر الذي يخلقه العنف (وليس المقاومة) يدفع الدبلوماسية العربية، وربما بالإيحاء، للعودة إلى "ابتكار" الأفكار بشأن التسوية، حتى ولو كان الإرهاب بعيدا عن مساحة الصراع العربي - الإسرائيلي، فخطره غالبا ما يؤرجح السياسة العربية على مساحة من الخطر وعدم الإنجاز، أو يدفعها لتقسيم جبهاتها، هذا على افتراض أن مسألة الإرهاب تخصها وحدها.
وربما علينا إعادة طرح السؤال: لماذا تتحرك الرياض في لحظة انفجار الوضع في اليمن؟ أو حتى لمجرد تركيز الضوء على مسألة القاعدة في اليمن من قبل الإعلام الدولي؟ وهل حركة السلام الحالية ستفتح مجالا لوضع تنظيم القاعدة في مساحة معزولة؟ هي مجرد أسئلة لسياق الحدث الحالي، رغم ان أيا من معطيات التسوية لم تتبدل، ورغم أن التوازن المطلوب لأي اتفاقية مرتقبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين غير متوفرة، ولذلك فإن إشارات الاستفهام ستبقى معلقة، على الأخص أن الرياض كانت سباقة في طرح "أفكار السلام"، ابتداء من "مبادرة الأمير فهد" في أوائل الثمانينات، وكانت جبهة أفغانستان مشتعلة، والمقاومة الفلسطينية في لبنان تعاني من الاجتياح الإسرائيلي، انتهاء بالمبادرة العربية التي ظهرت أيضا على مساحة "الإرهاب" في أفغانستان أيضا وفي ذروة الانتفاضة الثانية.
هذا الترابط يعطي مؤشرين: الأول أن السعودية حريصة على توازن سياسي خاص داخل معادلة الصراع، وهو توازن تسعى من خلاله إلى الحفاظ على دورها الإقليمي، حيث يمكن فهم تحركها نحو "السلام" بموقعها وسط تكتل سياسي يوازن ما بين الحفاظ على التكوين الإقليمي، بما فيه "إسرائيل"، وطبيعة الاحتلال والعدوان التي تدفع دائما نحو التوتر أو تجعل النظام العربي مطالبا باتخاذ إجراءات وسياسات تجاه ما يحدث، ووسط هذا التناقض يبدو الإرهاب كمبرر منطقي للتعامل مع "السلام" كونه "خطر مواز" يمكن أن يجمع على الأقل الأنظمة السياسية.
المؤشر الثاني هو أن المملكة العربية السعودية لا تريد لأي قوى إقليمية إضافية الدخول في هذه المعادلة، وذلك لبقاء دورها الإقليمي الذي يؤمن لها أيضا استقرارا داخليا، وعلينا التذكر هنا أن التدخل الأمريكي المباشر في العراق مرتين أدى لارتفاع وتيرة التناقض داخل السعودية عبر تنظيم القاعدة.
أفكار السلام التي طرحت من قبل الرياض واليوم مصر، وهي على العموم إجراءات وليست أفكارا، تظهر دائما وكأنها موجهة لعدو إقليمي غير "إسرائيل"، ففي بداية الثمانينات كانت ضد طهران وذلك قبل اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، وفي مرحلة احتلال العراق كانت موجهة أيضا ضد أقطاب المقاومة، حركات أو دول، واليوم يبدو أنها تحاول استجماع "عصبية قومية"، رغم أنها في ذروة الخطر القومي في بداية الثمانينات فضلت دعم المجاهدين في أفغانستان، لكن هذه العصبية يُراد لها أن تقود تسوية تجاه "إسرائيل"، وفي نفس الوقت تجدد خط الصدع مع إيران وربما مع تركية، والمبرر وجود"الإرهاب"، فهل علينا تعريفه من جديد، أم تعريف السلام الذي يتحرك فيه كل الأطراف ويتضرر منه الجانب الذي يعاني من الاحتلال.