السياسة السعودية مصرة على تكوين "توافق عربي"، وربما اختارت النقطة الأكثر توترا لبدء تحركاتها، فمسألة "التسوية" لم تعد فقط مجرد قرارات ومرجعيات دولية وعربية، لأن شكل هذه التسوية سيحكم الأدوار الإقليمية، وربما سيرسم "الشرق الأوسط" بشكل مختلف، وبالطبع لا يمكننا أن نفهم الحرص السعودي على "المصالحات العربية" بعيدا عن مسألة "الأدوار" في المنطقة، على الأخص أن "التسوية" خاضعة اليوم لمواقف من دول دخلت على مساحة الصراع العربي - الإسرائيلي مثل تركيا وإيران، فالدبلوماسية السعودية ربما تعتبر أن قدرتها على "المبادرة" في مسألة السلام سيتيح لها مساحة أوسع داخل الشرق الأوسط، رغم أنها لم تكن قادرة على دفع مبادرتها، المبادرة العربية، في زمن الإدارة الأمريكية السابقة.

عمليا فإن العودة إلى صيغ التوافق القديمة يبدو صعبا، حتى وإن تم وفق حالة شكلية فإن حركة السياسة ستتجاوزه بشكل سريع، فإذا صح الحديث عن قمة سورية - سعودية نهاية هذا الأسبوع، وعن احتمال انضمام مصر لها!! فإننا سنكون أمام محاولة لخلق مصالحة فوق مساحة متفجرة، فالوضع العربي منذ قمة الكويت الاقتصادية العام الماضي اتسم بالهدوء رغم تسارع الإجراءات السياسية التي تقوم بها كل دولة لتثبيت واقع جديد، ونلاحظ هنا:

أولا سارعت مصر إلى التعامل مع مسألة المصالحة التي ترافقت أيضا مع مجموعة إجراءات سياسية بدأت باجتماع شرم الشيخ الذي قرر تقديم منح لغزة لم تصل حتى الآن، لكنه على الأقل أوجد غطاء سياسي برعاية مصرية، وهي أيضا أمنت علاقاتها مع السلطة ومع حماس وإن كان بشكل غير متوازن، في وقت بدأت ببناء الجدار نحو معبر رفح، فالمصالحة الفلسطينية تمر عبرها بحكم الجوار مع غزة ونوعية المصالح مع السلطة.

ثانيا السعودية تحركت بشكل سريع أيضا جنوبا وشمالا وشرقا أيضا، فهي أعادت بناء علاقاتها مع سورية من جديد، وبدأت أيضا حراكا دوليا بشأن التسوية، والملاحظ أن تحركها مربوط بما يحدث في اليمن وباحتمالات مفتوحة في إيران، فهي تريد خلق توازن في أي صراع محتمل وذلك بحكم موقعها الاقتصادي، فالرياض تعرف انها تتعامل مع منافسة إقليمية قوية في طهران وأنقرة، وانفجار "الحدود اليمينية - السعودية" إضافة لما استجد على موضوع القاعدة في اليمن لن يمنعها من البحث في عملية التسوية كونها المنفذ الوحيد الباقي باتجاه الشرق الأوسط والعالم.

ثالثا تبدو سورية أيضا في حركة متسارعة، فبالإضافة لما تم من إعادة علاقاتها مع الرياض فإنها كرست معادلة تجمعها مع إيران وتركية، وكان واضحا أن كل المتغيرات الدولية والحوار مع الولايات المتحدة وحتى الخلافات مع العراق، لن تمنعها من التعامل مع شريكيها (إيران وتركية) بمعزل عن التطورات المحيطة، وإذا كان مصطلح إدارة الخلافات صحيحا فإنه ينطبق على هذه العلاقة بين طهران ودمشق وأنقرة، حيث يتم التعامل مع "الافتراقات" السياسية بينهم بشكل جديد، من خلال تطوير العلاقات التقنية التي يتبعها الشؤون السياسية.

هذا المشهد لا يوحي بأن "المصالحة" القادمة قادرة على حماية نفسها، فالمسألة بالنسبة للرياض هي الحصول على تفويض للتحرك باتجاه التسوية، ومن ثم توزيع هذا التفويض باتجاه العواصم المعنية وعلى الأخص القاهرة، لكن هذا الأمر وإن تم فإنه سيصطدم بتباين الاستراتيجيات بين الدول، فالتسوية بالنسبة لسورية على الأقل ليس "دورا إقليميا" لأنها مرتبطة بمستقبلها وبحقوقها أيضا وبعلاقاتها الداخلية والخارجية.

المصالحة ضرورية لكن علينا أن لا نقف أمام العناوين الإعلامية لها، لأنها في العمق تُظهر صراعا حقيقيا حول المنطقة وليست فقط مجرد حراكا يوحي بأن المصالح مشتركة!