مشكلة المثلث العربي الذي انتعش الحديث عنه بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الرياض، يحمل معه توازنا سياسيا لم يعد موجودا، فهذا المثلث الذي يضم الرياض والقاهرة ودمشق حكمته ظروف إقليمية، وفي نفس الوقت كان يشكل غطاء استراتيجيا في مرحلة بدأت فيها مسيرة التسوية، وفي نفس الوقت تمت إزاحة العراق من المعادلة الإقليمية بفعل الحصار، ويبدو من العبث البحث في جدوى مثل هذا "المحور" الذي حتى وإن نشأ فإن وظيفته السياسية ستبدو مربكة لأبعد الحدود.

وإذا كانت عودة هذا المثلث توحي للبعض بإن المصالحة العربية وصلت إلى أوجهها، فإن هذا الافتراض لن يؤدي عمليا إلى خلق آليات سياسية جديدة وذلك بفعل العوامل الجديدة التي طرأت على المنطقة منذ احتلال العراق، وفي نفس الوقت لم يكن "هذا المثلث" يقدم مصالحة حقيقية بقدر كونه محاولة لتأمين استقرار الدول المعنية به نتيجة "عاصفة الصحراء" التي حولت السياسة في المنطقة باتجاه جديد، فهم النظام العربية لم يعد منصبا على جبهات قتال نشأت أولا في فلسطين بعد احتلالها، وثانيا على خط الجبهة الإيرانية - العراقية في نهاية السبعينيات، فانصب الاهتمام مع بداية التسعينات على التحولات الدولية التي نشأت مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وتبدل النظام العالمي، وكان واضحا أن "الشرق الأوسط" مؤهل لمعادلة جديدة بدأت مع مؤتمر مدريد، وانتهت إقليميا بالانتفاضة الثانية، أما دوليا فكانت أحداث الحادي عشر من أيلول هي النهاية لمرحلة رسم النظام الدولي الجديد.

عمليا فإن "المثلث" كان مرحليا وعدم قدرته على استيعاب نتائج الانتفاضة الثانية مؤشر على أنه لم يكن مؤهلا للاستمرار، فالنظام العربي اختار عمليا طرح مبادرته للسلام في ذروة الانتفاضة واستقبل "حصار عرفات" واقتحام مخيم جنين ببرود أو ربما بعجز عن التحرك، فقمة بيروت عام 2002 لم تمثل فقط نهاية زمن هذا المثلث بل خروجه نهائيا من أي معادلة جديدة، وإذا كانت عودته ممكنة فهي ستحمل وظائف مختلفة تماما عما كان عليه سابقا.

ما شهدناه خلال السنوات الست الماضية هو بناء مجال إقليمي على هامش النظام العربي، فإيران وتركيا عاملين إضافيين في مسألة التوازن وفي نفس الوقت محاولة للخروج من أسر فكرة "المثلث" التي بدت وكأنها عامل ضاغط على دمشق في مرحلة ما بعد احتلال العراق، والخلاف السعودي - السوري لم ينشأ سابقا على قاعدة "فض" هذا المثلث بل نتيجة التباين الاستراتيجي تجاه التحول العميق الذي حدث في المنطقة، وكان على دمشق البحث عن حيوية مختلفة في التحرك السياسي، وهو أمر أنعش علاقة دمشق بطهران وأنقرة.

في المقابل فإن الرياض شهدت تحولا في علاقتها مع واشنطن بعد الحادي عشر من إيلول، ورغم أنها لم تلعب نفس المهام خلال احتلال العراق مقارنة بما حدث خلال "معركة تحرير الكويت"، لكنها في نفس الوقت انخرطت استراتيجيا في معادلة "الحرب على الإرهاب" التي طالت حتى طبيعة العلاقات الإقليمية، وبدرجة أكبر معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي.

"المثلث" أصبح مصطلحا قديما لا يمكن أن نجعله هدفا سياسيا، بل لا بد من البحث من جديد في معادلة المصالحة العربية كي تتكون على قاعدة مختلفة