لسنا أمام درس في الرياضيات ولكنها تجربة فقط في مسار العلاقات السياسية، فإذا ألغينا تعبير "المحاور وحاولنا فقط رسم أقواس بين دول الشرق الأوسط التي تقيم علاقات طبيعية فإننا سنواجه خارطة من تقاطع الأقواس التي تعكس على الأقل نوعية "الشرق" الذي يتكون وفق حدث لم يتزن بعد، ولم يخرج من آثار كسر المعادلات القديمة.
في المقابل فإن إيجاد إطار لما أطلق عليه "المصالحة العربية يشكل التقاطعات بين أقواس مختلفة ومتباينة، حيث لا تستطيع أكثر من عاصمتين الاتفاق على بند محدد، فسياسة المحاور أو حتى "المثلث الإقليمي" انتهت إلى ثنائيات تجتمع على بنود خاصة في المصالحة وتختلف بشأن مواضيع أخرى، فهل تشكل هذه الخارطة نظاما شرق أوسطيا جديدا؟
إن ما يحدث يحقق على الأقل خلق عدة توازنات تؤجل المواجهات الأساسية، أو تزيح الاستحقاقات المرتبطة بالصراع مع "إسرائيل"، وتتيح أيضا تجزئة الأزمة بحيث يمكن التعامل مع بعض البنود دوليا، وعلى الأخص الملف النووي الإيراني التي ترى واشنطن ضرورة حسمه قبل انسحابها من العراق، وإذا كان العمل العسكري يشكل مأزقا، فإن المحاصرة السياسية هي المخرج الوحيد اليوم بحيث يتم فتح جيهات متعددة أمام طهران، تمنعها على الأقل من استخدام أوراقها الإقليمية.
في مقابل هذا الوضع هناك تصاعد لـ"الأزمات الهامشية" حيث ظهرت في معظم الدول المحورية مشاكل إضافية، مثل الصراع مع الحوثيين على الحدود السعودية - اليمينة، والمعارضة الكردية في تركية، إضافة للأزمة السياسية الداخلية في إيران، وهذه القضايا مؤشر على أمرين:
الأول: الطبيعة المعقدة والمركبة لأزمات الشرق الأوسط عموما، وهو ما يسهل اختراقها، ولكن في نفس الوقت فإن إيجاد مخارج حقيقية لها يحتاج لأكثر من عملية الاختراق، فالحلول الجاهزة تبدو مستحيلة، وديناميكية الأزمات تؤكد أن الحلول التوافقية غالبا ما تنهار بشكل سريع، وأن صراع المصالح لن يستقر إلا بالعودة لسياق عام ينفي حالة "توليد" الأزمات.
الثاني: مسألة توليد الأزمات هي حالة تبادلية مع "السياق المضطرب" الذي تم عبره اختراق الشرق الأوسط. فكلما زاد النظر إلى الشرق الأوسط من منطقة الخليج العربي، أي من منطق "إمدادات الطاقة" زادت الأزمات دون أن يعني هذا الأمر انسياب أفضل للطاقة، بينما إذا تم النظر إليها من منطق الأوضاع الشاذة القائمة وعلى الأخص "إسرائيل" ظهر انفراج سريع.
الأقواس التي ظهرت في مرحلة الإدارة الأمريكية الجديدة هي زمن استثنائي لكنه قد يطول، على الأخص أن استحقاقات واشنطن القادمة هي أكثر من مسألة أزمات الشرق الأوسط، لأن هناك حرب على أطراف هذا الشرق تسير معاكسة لكل التوقعات، ومن المستبعد أن تخرج قوات التحالف من أفغانستان سريعا، وبالتالي فإن الانتظار سيطول....