لأننا نعرفها أكثر من غيرنا، وآثارها باقية على أجسادنا فإننا نستطيع أن نفكر بها بطريقة مختلفة، فالحرب ليست قدرا رغم أننا لا نرى السلام، والحرب أيضا ليست عمليات عسكرية متفرقة أو اجتياح وقتل بل فوضى تستبيح الجميع ثم تستوطن في العيون، فعندما تبدأ، وأنا لا أذكر متى بدأت، ندرك كم من الزيف استهلك عقولنا فلم نعرف أن ما نملكه ربما كان كافيا لأجيال قادمة....
ليست دعوة للسلام أو لكبح فورة الغضب أمام الخواء الذي تتركه السياسة في مواجهة الاغتيالات، وفي عجزها عن تأمين مساحة لا يدخلها الاستيطان، وفي المقابل فكلما حاولنا التستر عن حرب قادمة أو احتلال يفرض وجوده فاجأتنا حرب من نوع آخر، وجبهات جديدة هي مجرد افتراض، وسيناريو يكبر بشكل تلقائي ثم نجد أمامنا اجتياح جديد وموت يتربص بنا في زاوية لم نعهدها من قبل.
في مساحة التسلح التي تظهر خارج جبهات القتال دعوة حرب من نوع آخر، وهي أيضا رؤية عرفناها سابقا جعلتنا أمام مواجهات عبثية وصواريخ وطائرات يجب أن تُستهلك من جديد، وفي مساحة أخرى ستصبح الصورة باتجاه التطرف والبحث عن جغرافية حرية جديدة بعد أن أصبحت المنصات المضادة للصواريخ حاجزا جديدا ليس في الخليج العربي بل أيضا في القدرة على رؤية أنفسنا وما فعلته الحروب العبثية بنا.
جبهات من صوب... ومساحات من العزلة التي يمكن أن تصبح واقعا داخل "الشرق الأوسط" المشبع بالخوف والترقب، والمسكون بخطوط حمراء تحرم الحب وتمنع الحلم وتخلق فواصل ونقاط تكون ثقافة مستحدثة لقبائل قادرة على بيع النفط واستقدام الخادمات الأجنبيات ورفع الأبراج عاليا في السماء، لكنها لا تستطيع مد بصرها باتجاه الغرب ولا حتى الشرق لأن حدود "مشيختها" محصنة ضد الهواء الجديد بصواريخ من نوع مختلف.
الحرب ليست قدرا.... لأنها خوف من الشرق وتسوية تتم كتابتها على طريقة مقامات الهمذاني، فتنسينا أن وراء القوافي والسجع زمن يستكين بنفسه فيعلن حربا جديدة ضد نفسه، ويواجه الأجساد المحروقة في غزة بصواريخ موجهة للشرق بينما تبقى "السيادة الوطنية" بحجم جسد الأنثى الذي لا نرى غيره حرمة ولا نعرف خارجه أي حمية، بينما نستعد للحروب بدم بارد أو بتشكيل الكراهية لأنها الحل الوحيد كي لا نفكر يوما أن الحرب ليست قدرا بل اختبار على أننا قادرون على ردع الاحتلال أو رؤية القدس مسلحة مفتوحة لنا، أو حتى التجول في غزة دون ان نضطر للحصول على إذن رسمي.
في"هرتزليا" وللمرة العاشرة يبدأ رسم الحروب، وفيها تصبح الحرب قدرا، وعلى مساحة الخليج يبدأ البحث عن حرب من نوع آخر، حرب ربما تكتب مشهدا جديدا بات مألوفا لدينا منذ احتلال العراق..... رغم ذلك فالحرب ليست قدرا رغم أنها ترسم أمريكيا باتجاه الشرق، بينما تبقى فلسطين في الغرب تحت الاحتلال.