لا يحق لنا أن نغضب، أو نخرج عن المألوف في حديثنا، لأن هناك من سيسعى لتهدئة الخواطر، ولرسمنا في مساحة من "الثبات" الذي لا يذكر سوى بعدة قرون مازلنا نسبح فيها مطمئنين، وربما مذهولين من القدرة الفائقة للأمراء والرؤساء وأصحاب الجلالة والفخامة رشقنا بالصبر، ووضعنا في قفص الرزانة في ذروة الموت والحرب، فهل ستهدأ خواطرنا من الرسائل الأمريكية لإسرائيل أم من الطريقة التي تعامل بها تركي الفيصل مع داني إيالون؟!!!

هي تهدئة خواطر وليس كسرها أو جبرها، وهي أيضا إعلام قادر على حجب ما يريد ووضع الصورة المنسجمة مع المصالحة العربية والحوار الأمريكي الذي فاقت جولاته ما هو متوقع، وفي النهاية هناك "نحن" التائهة بين السياسة وحرب "المصافحات" التي انطلقت في أوسلو وربما لن تتوقف طالما أنها قادرة على تقديم شهادة حسن سلوك.

وفي تهدئة الخواطر نماذج جاهزة لسياسيين "يبكون" في لحظة الأزمة، وآخرون يحضرون مؤتمر "هرتسليا"، وفي نموذج فاقع هناك من يستطيعون الجلوس لبحث أمن الشرق الأوسط مع "الإسرائيليين" الذين على ما يبدو "هدأت خواطرهم" بعد الرسائل الأمريكية، بل وكانوا قادرين على استدراج غيرهم للدفاع ودفعهم من جديد للمصافحة....

هناك تفسيرات جديدة لمسألة المصافحة، فهي تشبه القبلات العربية التي توزع في كل لحظة تفيض فيها العواطف للقاء "الأشقاء" الذين كانوا قبل أيام وربما ساعات قادرين على الطعن والعزل، واتهام الأموات بالتهور، ففلسفة المصافحة لا تختلف ربما عن الرسائل السياسية التي ترسلها واشنطن لأنها منسجمة معها، وتعرف أن ملامسة اليد مسموحة في مؤتمرات "الحوار" العبثي والأمن المشدود على فوهة مدفع، ومكتوب في الصور التي نسيناها لأطفال يخطون على الصواريخ عبارات ترحيب بالموت قبل أن تصبح قذائف تسقط فوق لبنان.

وهناك أيضا قدرة فائقة على القفز فوق ملامح الحرب القادمة، أو رغبات الحرب التي تنطلق لتكسر "دبلوماسية" الابتسامات و "المصافحات" ومؤتمرات الوجوه الشمعية التي تبحث عن الأمن كفردوس مفقود، بينما تطفو التصريحات وكأنها "فظاظة" أو خطأ دبلوماسي يحتاج لـ"استرضاء" الآخر الذي يجد نفسه مطوقا بالأزمات، أو يقف على حدود الحرب بينما تخرج دعوات السلام من الجهات الأربع.

الجبهة السورية لا تحتاج لـ"تهدئة خواطر"، والحقوق ليست مجرد خوف دبلوماسي ينطلق من واشنطن، أو ينتهي في ميونخ مصافحة بين تركي الفيصل وداني إيلون، فهذه الجبهة هي بشر مازالوا ينتظرون رؤية قراهم، وهي مجتمع يرى أرضه تحت الاحتلال، وربما يعرف أن "تهدئة الخواطر" لا تختلف كثيرا عن دبلوماسية "حسن السلوك" التي يقدمها البعض دون أن يعرف ما هو ذنبه....