جدار أمني جديد يظهر في الشرق الأوسط، لكنه في واقع الحال يشكل حاجزا معنويا عن صح التعبير لأنه يكسر حاجز "الاستقرار" أو حتى قدرة السياسة على التعامل مع الملفات المركبة داخل المنطقة، فنشر أنظمة صاروخية أو حتى التعامل من جديد مع التسلح في الخليج يحمل معه رفع احتمالات المواجهة، ومن جهة أخرى رسم خطوط المواجهة القادمة.

ويبدو الحديث عن أمن الخليج مسألة متناثرة على مساحة الأزمات الدائمة التي تظهر في لحظات الحديث عن التسلح، فالخط الدفاعي الجديد مهما وضعنا له من تنظيرات أو حتى ربطه بـ"السلام العالمي" ومسألة الحفاظ على خطوط إمداد الطاقة، لكنه ينطلق من مساحة "أزمة" مختلفة ومرتبطة بتوازن القوى في الشرق الأوسط، فعندما تتحدث التحليلات عن النفوذ الإيراني، فهذا يعني على الأقل وجود نفوذ آخر منافس، أو ضمن احتمال آخر انحسار سيادة الدول أمام هذا النفوذ وبشكل يدفع الولايات المتحدة على الوقوف بوجه ما يحدث، علما أن مسألة الدفاع والصواريخ المضادة للصواريخ هي بذاتها ليست أسلحة لقف النفوذ، بل لتصدي لاحتمالات مواجهة إقليمية.

والقضية اليوم مع صفقات الأسلحة التي كشفت عنها التقارير الصحفية تمل ثلاث مؤشرات أساسية:

الأول أن رفع احتمال المواجهة مع إيران له حسابات أخرى داخل الإدارة الأمريكية، فهو ليس مجرد ضربات وقائية كما توحي بعض المعلومات المُسربة عبر الصحف، بل أيضا خلق خط مواجهة متقدم، فعمليات التسلح المستمرة تجعل أي ضربة وقائية قابلة للتطور عند هذا الخط دون الوصول إلى عمق جديد.

الثاني خلق بيئة تماس مباشر على الأخص عندما يصبح الخليج الشرقي (العربي أو الفارسي) نقطة توتر جديدة، فإمدادات الطاقة التي يمكن أن تتأثر مباشرة لا تنعكس فقط على دول الخليج بل أيضا على إيران نفسها، وطهران تدرك تماما أن إمداداتها معرضة للخطر أكثر من أي دولة أخرى، لأنها الوحيدة التي تواجه تحد في مسألة ملفها النووي أو في موضوع "نفوذها"، فإمكانيات التماس المباشر سيحد حتى من قدرتها على حماية امداداتها من جهة، وسيقلل هامش المناورة السياسية مع دول الخليج نفسها.

الثالث تهيئة مناخ سياسي جديد في عملية الفرز داخل الشرق الأوسط، فعندما نتحدث عن "النفوذ" الإيراني فنحن نتحدث عن "جبهات ساخنة" سواء في العراق أو لبنان أو حتى في فلسطين، فإيران شكلت بديلا استراتيجيا طوال الأعوام الماضية لمواجهة الاستراتيجية الأمريكية، وهي في نفس الوقت لا تملك "نفوذا" بالمعنى التقليدي بل أصبحت عاملا أساسيا في توازن القوى خصوصا مع طرح ملفها النووي بشكل دائم في مواجهة سلاح نووي موجود بالفعل في "إسرائيل".

التسلح الحاصل اليوم يسعى للعب بالتوازن القادم وذلك مع قرب موعد سحب القوات الأمريكية من العراق، وهو أيضا رسمٌ لجبهة جديدة داخل أمن إقليمي مرهق.