ما يحدث ليس أحداث رواية لغابريل غارسيا ماركيز، والحرب ربما لا تشبه الكوليرا في مظهرها المعاصر، وعندما تظهر المقاربة فلأننا نعرف أن ما تقوم به السياسة منذ سنوات هو تأجيل المواجهة، ومنذ زمن مستشار الأمن القومي ثم وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر ومسألة السلام هي زمن الحروب المتفرقة، وإخراج الصراع من شكله التقليدي إلى "مغامرات إسرائيلية" متفرقة، فالبحث عن السلام ربما انطلق من النقطة التي سينتهي إليها، فما حدث لم يستطع "كسر الإرادات"، ولم يتحول إلى نظرية في الصراع طالما أن "الحالة الإسرائيلية" استثنائية بكافة ظروفها.

في زمن "فالنتاين" كل شيء ممكن، ومعادلة الصراع المقلوية تشبه كثيرا السلام المتحول الذي يصور الأمن على شاكلة "تجميد الاستيطان" أو العودة لـ"مائدة المفاوضات" دون شروط مسبقة، ومسار التسوية قاد إلى نتيجة واضحة بظهور أفيغدور ليبرمان وبنيامين نتياهو، وعلى المقلب الآخر ظهر "السلام الصامت" والعلاقات مع "إسرائيل" من وراء الحجاب، وتكاثفت قضية الإرهاب لتصبح ثقافة يرى البعض في الولايات المتحدة أن علينا تغيرها ويقترحون صيغة سلام كانت بوادرها في احتلال العراق، فهل يمكن أن تغيب الحرب للحظة من أفق جغرافيتنا؟ وهل تزامن اغتيال رفيق الحريري في "عيد الحب" هو مقاربة إضافية تخرج عن سياق السياسة التقليدي؟

ما يحدث يصعب وضعه في إطار تحليل سياسي، أو البحث في ميزان الربح والخسارة، فهو مختلط ما بين العلم وقدرتنا على الشعور بأننا نملك شيئا مختلفا ومتميزا عن العدو، وبالتأكيد فهو ليس عيد العشاق، فالمسألة ربما تملك بعدا تاريخيا إضافيا وقدرة على الاستمرار وجعل الحياة سلسلة مستقرة وسط "حمى الحرب" أو القدرة على الانسجام مع "عملية التسوية"، وعندما نقول "المواجهة المؤجلة" فإننا ننطلق بالفعل من أسر المجابهة العسكرية التي ستكون بكل تأكيد قاسية، باتجاه رؤية وجودنا وسط هذا التحدي الدائم الذي نؤجله ثقافيا وسياسيا وعسكريا.

قراءة الحرب القادمة ليست ممكنة وسط "مزاج سياسي" يريد تأكيد أشكال الاستقرار على أرض مهتزة، ففي كل جولة مفاوضات هناك عدم ثقة وفي كل اتفاقية يتم الحديث عن "منطقة ألغام" على المتفاوضين تجاوزها، لكنها تمتد لمرحلة ما بعد التفاوض، وتصبح "إشكالا جديدا" يضاف إلى تعقيدات الأزمة، فـ"السلام" ينطلق من سياق تغيير "الهوية والدور"، وهو أمر حدث في مصر لكنه شكل من جديد نقطة صراع جديدة.

عندما يبدأ الحديث عن الحرب فإن المسألة ليست في احتمالاتها أو إمكانياتها، أو حتى قراءة مسارها، لأنها مواجهة مؤجلة رغم كل قرارات مجلس الأمن والطرف الإسرائيلي يعرف أيضا أنها رهان على الزمن فقط، فهل يمكن للحب أن يعبر في زمن الحرب؟ سؤال خارج السياسة لكنه على ما يبدو يطرح نفسه كل عام.