من الصعب تجاوز المفاجئة التي تنهمر علينا في لحظات الحسم السياسي، فهي غالبا ما تأتي من "الخليج" أو من قدرة الجزيرة العربية على اقتباس صور سياسية وتعميمها علينا، لكننا نندهش دوما من التوقعات السياسية التي تنطلق منه، أو حتى من "المنتديات" التي تقدم لنا صورا نحاول أن نقرأها قبل أن نكتشف أنها زائفة أو حتى تسير على هامش أي مشروع سياسي، فالمشكلة الأساسية التي بدت في الخليج وقبل اكتشاف النفط أنه قادر على خلق عمليات الجذب، ورسم خط ينقل إلى عمق الشرق الأوساط أزمات تتفاعل مع حالات التحدي القصوى التي عشناها من الاستقلال وحتى اليوم.
صورة الخليج العائم على بحر من النفط لم تحدد صورة المنطقة، لأن الشرق الأوسط رُسم سلفا على إيقاع "التراث السياسي" الذي لا يملك سوى قدرته على الإقناع بأن هناك "منبعا" ثقافيا واحدا، وأن نقطة الجذب التي يمكن رسمها وفق أحدث النظريات الإستراتيجية يمكن توفيرها بقليل من المعطيات طالما أن "عصبية الدولة" في الشرق الأوسط لم تستند بعد إلى تفكير نظري يختلف في جوهره عن المظاهر القديمة للممالك والولايات والخلافة المتنقلة من دمشق إلى بغداد ثم القاهرة، واستقرت في النهاية داخل "اسطنبول" لتقدم نموذجا مستمرا لمسيرة سياسية تصمد رغم اختلاف الظروف.
ورغم تعقد المصالح العالمية فإن إعادة رسم الشرق الأوسط وفق العلاقة مع الآخر وتجاوز التناقضات التي يحتضنها سيوصلنا في النهاية إلى حالة سياسية مشابهة لما حدث في منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي الذي انعقد في قطر مؤخرا، حيث تبدو الرؤية أشبه بالتعليق على الحدث، ويظهر الحوار للبحث عن المخاطر التي تظهر نتيجة هذا الرسم "الشرق أوسطي"، فما ينقص المنتدى لا يتعلق بالمواقف السياسية او بالحروب الموجودة داخل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ولا حتى في الإستراتيجية التي تشكل بذاتها مشروعا دوليا دون الحاجة لإقامة البيانات و المنشورات حوله، فهناك سياق لا يحتاج إلى تبرير وأما السياق الآخر المتعلق بالعالم الإسلامي فهو مسار أزمات فقط، لا يجمعها سوى "بعض حالات الصدام"!!!
المنتدى ليس بذاته حدثا أساسيا، لكنه يفتح الباب على رؤية "مشروع الدولة" الذي لا يملك نموذجا واحدا في العالم الإسلامي، هذا على افتراض أن هناك مشروع حقيقي، ومن الزاوية الأخرى فإن المنتدى يكون مساحة خارج العالم الإسلامي عبر صورة الصراعات الدولية المحصورة في منطقة واحدة منه، فالتشتت يجعله "منتدى نوايا"، وفي المقابل ينقل الصورة التي تريد النظر إلى الأزمات من خارجها، او بعيدا عن سياقها الفعلي، وهو ما يجعل الهم السياسي محصورا باتجاه "الصراع مع إيران"، في وقت تبدو المنطقة كلها عائمة على رؤية متناقضة وخطوط أزمات متقاطعة.
مشكلة الشرق الأوسط الأساسية أنه "رُسم" خليجيا، والنظر إليه يتم من مناطق "الهدوء المطلق"، فجغرافية الصراع التاريخي لم تكن في مناطق الخليج رغم ظهور النفط فيها، والحروب في الخليج بدأت من خارجه في معظم الأحيان، وفي النهاية فإن الأزمات التي تحيط به هي عميقة ومن الصعب النظر إليها من بعيد لرسم حلول افتراضية، فالشرق الأوسط ليس منهكا بالصراعات (حسب تعبير وزير الخارجية القطري) بل هو صورة لجغرافية مكسرة نتيجة النظر إليها من جغرافية "الهدوء المطلق.