الأزمة مختلفة كليا عن السياق الذي ظهر منذ احتلال العراق، فزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق تحمل معها إيقاعا مختلفا رغم سيل التصريحات التي ظهرت حول "احتمال الحرب" أو "ضرورة السلام"، والانتقال من السياسي يبدو أنه يرتكز إلى عقدة واحدة تشكل الترابط ما بين الأزمات، فعند الحديث عن الملف النووي الإيراني فإن مفهوم السلام ومن وجهة النظر الإسرائيلية على الأقل سيأخذ بعدا مختلفا، حيث لا تبدو قاعدة "الأرض مقابل السلام" صالحة في ظل احتمال اختلال ميزان القوى فيما لو امتلكت إيران السلاح النووي.

عمليا فإن "الأرض" و "السلام" لم تقدم أي معادلة إستراتيجية لحفظ الأمن في المنطقة، لكن التركيز العربي عليها جاء نتيجة القرارات الدولية، فالأرض مقابل السلام قدمت حلا لـ"إسرائيل" يعفيها من المسؤولية السياسية والأخلاقية التي نتجت عن الاحتلال، بينما شكل بالنسبة للعرب على الأخص بعد حرب عام 1967 مخرجا لكسب تأييد دولي في ظل "الهزائم العسكرية"، وكان واضحا منذ عام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان أن مسألة "السلام" لم تعد تخضع لنفس القاعدة، فـ"شارون" انسحب من غزة دون أي اتفاق، والمعارك في الضفة الغربية التي أنهت شكل السلطة الفلسطينية القديم كانت خطوة في رسم سياسة مختلفة لها علاقة بالأدوار الإقليمية أكثر من كونها مرتبطة بتسويات مع الأطراف المباشرة في صراع العربي - الإسرائيلي، وربما على العكس فبمقدار التأكيد العربي في مبادرة السلام التي أعلنت في بيروت، كانت "إسرائيل" تؤكد على أن هناك عوامل إضافية في الصراع لا ترتبط مباشرة برغبة العرب أو إرادتهم للسلام، وهذه المسألة ظهرت بقوة بعد احتلال العراق عبر "الشروط الإسرائيلية" تجاه سورية كي تقطع علاقتها بإيران قبل أي مفاوضات.

الدور الإيراني لم يكن وليد الصراع العربي - الإسرائيلي، لكنه أخذ موقعا مختلفا وربما بشكل تدريجي بحيث أصبحت المعادلة أكثر تعقيدا، فمواقف طهران السياسية هي النتيجة لمعادلة سياسية مختلفة، وهي تبدو أخطر في ظل حركة إقليمية يظهر فيها توافق واضح مع أطراف بقيت بعيدة عن التأثير المباشر مثل تركية، والملف النووي الإيراني هو العتبة التي يمكن أن تغيير المعادلة الإستراتيجية بالنسبة لـ"إسرائيل"، وبالتأكيد فإن تصريحات أحمدي نجاد حول "محو إسرائيل" من على الخارطة، أو تشكيكه بالمحرقة أو غيرها من التصريحات، هي في جانب آخر تحمل التحدي السياسي لنظام إقليمي مختلف، ومن المؤكد أن "الدولة العربية" لم تتعامل معها سياسيا على أساس "حَرفيتها" بل في المستقبل الذي يمكن أن يرسم توازن من صعب خرقه "إسرائيليا".

قلق طهران اليوم ليس على "الموقف السوري"، بل على المساحة الزمنية وصولا إلى المرحلة القادمة، وهو زمن خطر ربما يدفع "إسرائيل" إلى المباشرة في تصورها الجديد (السلام مقابل معادلة إستراتيجية مختلفة)، وهو أمر لا يحمل فقط "الحرب" بل كل الاحتمالات القادرة على التأثير في المعادلة التي تتبلور سريعا.