إنها سياسة تغلف الوجوه، وترسمنا ضمن دوائر يمكن أن نعلق بها دون أن ندري بأن الحياة تتجاوز التصريحات، وتقفز على الحواجز المقامة كل يوم ما بين حي وآخر، أو رجل يعبر الطريق وأنثى تنظر وهي تحاول خلق حلم جديد، ويغيب عنا أيضا أن الحياة تشطب نشرات الأخبار والدراما السورية وتعيد نحت الحياة بشكل هجين يصعب علينا تفكيكه، فإذا توقف "الحلم" بفعل العادة أو حتى بحركة الزمن، فربما علينا "المواجهة" دون أن نكتبها وفق ما يصل إلينا من تصريحات سياسية.
من كل الطيف السياسي لم يصلنا إلا "الفعل"، أو التعامل مع النتيجة السياسية، بينما أصبحنا لاجئين في حدود الفكر الذي لم يؤسس بعد جغرافيته التي ستمنحنا أسئلة جديدة، وارتقاء بأحلامنا بعيدا عن "الدوائر" التي باتت تشكل تراثا خاصا، فعندما نصبح قادرين على الإبحار يبدأ فصل خامس يمزج الربيع بالخريف ويدفعنا إلى بناء الحياة على وحي من الدفق الضوئي، حيث يصبح العشق ممكنا وسط اليباس الذي يكلل الوجوه، وتنتهي ملامح الشيخوخة القادمة لأن بريق العيون يغير من مسيرة البصر ويجعل الوجوه بساتين بتعرجها، أو بشبقها لاستكمال الحياة على إيقاع سريع.
لنا الحق بدخول مرحلة "الاكتئاب"، وفي اللحظات التي تصبح فيها الحياة بحجم شاشة التلفزيون، فربما علينا أن نستيقظ من جديد، وأن نحاول الانتقام من السنين التي جعلها الإعلام أمامنا مجرد مشاهد، واختصر الحياة بسيناريو بطيء أو بأحداث من العنف والإثارة، فإذا أصبحت المواجهة للبحث عن "الحلم" فربما علينا أن نصبح أجرأ ونكسر الرتابة القديمة، وأجهزة العرض التي ملت الحضور، ففي الصحراء الممدودة يصبح العمر قبيلة مهنتها رسم الأطلال كي يبكي عليها البعض، اما الآخرون فيتكفلون بنقل "الرثاء" إلى الأطفال في رحم أمهاتهم.
ولنا الحق بإعلان الضجر من "مملكة الثقافة" التي تطرح أجوبة جاهزة، ومن حالات العشق التي لا تحمل سوى نهاية بزواج يُقال أنه سعيد، ولنا كامل الحرية بالاعتراض على سياسة تسير على الحسابات الدقيقة فتنتهي حيوية الحياة، ففي النهاية يمكن أن نصبح دورة مملة يمكن معرفة تفاصيلها من اللحظة الأولى، وعندما نقرر دخول مغامرة "مسح الذاكرة"، فإننا سندخل في الاحتمالات المتعددة، وربما سنعرف أن الحياة هي احتمال، وتكوينها على خط مستقيم سيجعل الخيال رماديا، ويصبح الحلم خريفا دائما.
المواجهة القادمة ليست سياسية أو عسكرية، وهي مواجهة افتراضية طالما أننا نملك عدوا نمطيا في عقولنا، ونعرف سلفا أساليب المواجهة وحتى الفكر الذي يجب أن نتسلح به، وباستطاعتنا أن نلخص حياة المرأة بكلمة واحدة (الإنجاب)، والرجل أيضا بمصطلح فريد (الفحولة)، بينما تسقط عنا كل الأغطية الخضراء التي تجعل العشق حرب تحرير والجنس مقاومة فريدة لليباس.... فنواجه من جديد شح الخيال وتهاوي الحلم.