من هنا تبدأ القصة.. لأن التذمر ليس سمة عابرة، والفارق ما بين التهكم والتذمر تخلقه ظروف الحياة، أو القدرة على التملك من الطفولة، ومن الممكن أن تنتهي القصة قبل أن تبدأ عندما يكون التذمر ترفا أو حالة من البحث عن زوايا إضافية لمجرد الفضول، إلا أن القضية ربما تبدأ من خارج الأنثى ومن عدم المقدرة على الظهور بحالة إنسانية فريدة، فالإنسان إما أن يكون متفردا أو ينتقل إلى الصراع الذي يمكن أن يشعره بأنه يملك هذا القرار بالوجود كفرد مستقل وهناك حالة ثالثة عامة تفترض التعايش مع البقاء في الظل، والجلوس في نمطية الحياة، وهي حالة لا وسطية لأنها خروج من الشرط الإنساني رغم أنها شائعة.

والتذمر ربما يبدأ بحجب الإعجاب، والشعور بأن الضيق مبرر، وأن الثواني خانقة لأنها تمر دون أن تنتقل بنا أو بي إلى مساحة الضوء، حيث تظهر الدنيا فيضا يلهب الرغبة في الحياة، لكن الإعجاب صعب، والتخلي عن النظرة النقدية ينتقل بنا نحو الطفولة وحالة الكفاية التي علينا الالتزام بها لأنها توفر عناء السؤال، وتدفن القلق تحت ستار من المعرفة السريعة، وعندما يفكر أحدهم بالنبش فإنه ينتقل إلى مساحة خارجة عن المألوف وتيدأ عندها حكاية الصراع.

هي حالة ممتدة تتطلب عشقا استثنائيا يحيل التذمر إلى رؤية، وإبداع مختلف وكتابات لا يتسرب إليها الحشو، أو حتى التكرار.... فإذا لم ينتابنا الفرح من القدرة على الوصول لقناعات جديدة كل يوم فإننا سنسأم وسيبدأ البعض بالتذمر، وعندما يتم حشرنا داخل زاوية ضيقة علينا ملؤها بالكلمات فإننا أيضا سنخنق أنفسنا داخل حالة من الكسل والترهل، فكيف لا يصبح التذمر ظاهرة تجتاح الوجوه وترسم عليها إشارات الغضب، أو تمحو السماحة التي اعتاد الرجال رؤيتها في النساء، فلا "عجب" أو "دهشة" أو "انبهار" طالما أننا غير قادرين على القفز فوق الزمن الرتيب، وعبور جسر احتياجاتنا اليومية نحو رغباتنا التي لم تنطلق منذ أن استطاع البعض وضع نموذج نهائية للجنس البشري.

إنها مسيرة من الصعب رسمها في خط بياني، فمتى بدأ التذمر؟ أفي لحظة أصبحت الحياة عادية! وهل يمكن أن تصبح اللحظات معلبة فيسرقنا أي حدث نحو "الإعجاب" بما تم إنجازه؟

من الصعب أيضا كتابة تاريخ فرد أو أنثى أو إله نسيه الجميع لأنهم اعتادوا الصورة الواحدة، والنمط الذي يجعلهم مستقرين في اتجاه واحد، أما من يتذمر فإنه سيبقى تعيسا ربما، لكنه على الأقل سيندهش مرة في الحياة، وسيجد فكرة لم تخطر على بال، وأخيرا سيلامس عشقا لم يخطر على بال بشر ثم ما همه بعد إذا أطلق عليه "لا يعحبه العجب ولا الصيام في رجب".