التحدي الأساسي ليس في احتمال المواجهة العسكرية، لأنه في النهاية لا يتلخص باحتمال ضربة عسكرية ربما تحدث حسب توقعات البعض خلال شهرين، لكنه أيضا في احتمال إعادة ترتيب المنطقة أو صعود قوى جديدة، فالحديث "الإسرائيلي" عن الحرب يقابله أيضا كلام أمريكي أيضا عن ما هو منتظر من سورية، وتحليلات في الصحف الأمريكية حول التوجه السوري المنتظر رغم "اليد الممدودة" من قبل الولايات المتحدة تجاه دمشق، لكن الحسابات الإستراتيجية لا تقف عند حدود "الإجراء السياسي" الذي تتبناه واشنطن اليوم، فالحرب ربما تكون الخيار الصعب والبعيد وفق ما تمليه الظروف الحالية، إلا أننا في الواقع نواجه احتمالات خلط الأوراق السياسية من جديد، وهو أمر يدفع التوتر في النهاية إلى ذروته.

عندما يتم الحديث عن الحرب اليوم فإنه يبدأ من صورة العلاقات الإقليمية، وهو أمر يعكس القلق الأمريكي من دول المنطقة وليس من الأزمات الموجودة، فمسألة "التسوية" أصبحت تحمل شروطا إقليمية مختلفة لا بد من قراءتها لمعرفة ردود الفعل الأمريكية بالدرجة الأولى، على الأخص أن الإدارة الأمريكية الحالية تقف عند حدود خطرة فهي ستواجه استحقاقات داخلية ستنعكس بشكل مباشر على السياسة الخارجية، فالتعثر الأمريكي الداخلي سيقود في النهاية إلى غلبة وجهة المحافظين الجدد، وهو امر ربما يدفع باتجاه التشدد من جديد، وهناك أمرين أساسيين:

الأول أن العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط كانت مزعجة بالنسبة لإدارة الرئيس السباق جورج بوش، وهو ما قاده إلى رسم تحالفات إقليمية، وحتى إلى دفع "إسرائيل" باتجاه الحرب عام 2006، وهذه الخارطة رغم حالة الانفراج لم تتحول، وربما على العكس فإن صورة "التحالف" الذي رسمته الإدارة الأمريكية أصبح اليوم تحت إشارة استفهام كبيرة لأنه قاد المنطقة إلى أزمة عميقة، وأصبحت الخلافات في كثير من الأحيان ذات بعد استراتيجي عميق، وهو أمر ربما أدى لتأجيل "المصالحات" التي كان من المقرر أن تصل لذروتها قبل القمة القادمة في ليبيا، لكن ما حصل هو تمسك الأطراف بأوراقها الخاصة وهو أمر سيظهر بوضوح عند اول لقاء عربي مشترك.

الثاني أن الولايات المتحدة تراهن عمليا على اختراق العلاقات الإقليمية ليس فقط عبر الحوار، بل أيضا من خلال إحداث تحول في الدول نفسها، والمثال الأقرب ما جرى في إيران خلال الانتخابات الرئاسية، فرغم أن الصراع السياسي هناك قائم سواء تدخلت الولايات المتحدة أو لم تتدخل، لكنها استطاعت توظيفه بشكل واضح، وما يحدث في تركية أيضا يحمل مثالا آخر، إلا أن السؤال هو ماذا لو بقي هذا الاختراق دون الحدود المطلوبة؟ فالعلاقات الإقليمية تسير عمليا باتجاه مخالف لأي مسار تاريخي سابق، ويبدو واضحا أن الكتلتين السياسيتين الكبيرتين تركيا وإيران ليستا بصدد التعامل مع التناقض فيما بينهما، والنتيجة المباشرة استفادت دمشق من هذا التوافق في دعم موقفها ودورها السياسي، بينما تبدو"إسرائيل" في موقف حرج إقليميا وسط هذه الشبكة من العلاقات المترابطة.

احتمالات الحرب تنطلق من الصورة الإقليمية وليس من الملف النووي الإيراني، فهذا الملف سيكرس بعدا جديدا في العلاقات من الصعب الرجوع عنه أو التأثير عليه بعمق، ولا يبدو الزمن عاملا مساعدا في الحد منه، لذلك فإن الحديث عن المفاجآت سيستمر مع حسابات الضعف والقوة التي تظهر بين الفترة والأخرى حاملة معها قلقا دوليا في وقت يبقى الهدف النهائي التحكم بالعلاقات الإقليمية لأنها الورقة الأساسية للتعامل مع الشرق الأوسط.