هي أجيال تحمل معها التحدي، لكنه يسبح في مساحة مختلفة، أو يقفز فوقنا فيجعلنا نقف على حدود الجهل الذي نمارسه كلما واجهنا "طموحا" لا يتوافق معنا، فيتركنا في إشارات استفهام تزداد مع الإصرار على تكوين المستقبل دون أن نعرف ما الذي يدفع الآخرين إلى رسم الغد بألوان لا تناسبنا...

سؤال المستقبل لا يحمله الشباب ولا نحمله نحن أيضا، وهو يسبح بعيدا عنا لأننا لا نملك سوى طفرات تنقلنا من فكرة لأخرى ومن عشق إلى حنين الزهد، فينفصل الوجع عنا وربما نشعر أننا فقدنا آخر الروابط التي تجعل الحياة نوعا من الكشف والجرأة واختراع ما لا يتوقع، فعندما تعجز مراهقة عن التلويح لصديقها فربما علينا مراجعة "دفاتر العشق" التي طالها الغبار، فنسأل عن الشعر والقصة التي باتت جزءا من تراث الماضي، وعندما نشهد افتراقا ما بين الأمس واليوم فإننا نصبح واثقين بأننا لم نستطع أن ننتقل بأنفسنا إلى سوية من دخلوا مدرسة الجرأة الجديدة، أو ربما "طلقوها" لتصبح الاستكانة نوعا من استفزاز الآخر، دون أن تحمل معها أي بعد آخر سوى التوقف لتسجيل موقف "التمرد" بأساليب لم نعد نعرفها.

أجيال تأتي وقاموسنا مليء بالخيبات أو حتى بقدرة الماضي على التفوق، في وقت يبدو الأمل وكأنه حالة اغتراب فيحمل إلينا صورا فاقعة عن عشق فاشل وعن "نقاب" يغطي المجتمع فلا نرى وجهه، أو لا نستطيع البحث عنه وسط ركام من الصراعات التي جعلتنا في فضاء مختلف، فيظهر شاب ويغيب، وتتزوج مراهقة وتنجب، ويبدأ الأطفال بالتراكض حولنا ثم ندرك أننا أمام دائرة من السهل اقتحامها وتركيب الخوف بداخلها، فيبدأ ألم جديد ومحنة اغتراب لا يتمرد أحد عليها.

أجيال لم تشهد ولادة ثقافة ولا حتى أفقا ربما يمدها بأمل خاص يدفعها للحياة، فترى الدنيا بمنظار مختلف ما بين البحث عن "الورع والتقوى"، أو الانحناء أمام الترف القادم من الجهات الأربع، فهي في جغرافية من امتزاج ثقافات الماضي مع غرائبية الحاضر، وهي في خط التماس بين استقالة الثقافة وادعاء البعض بأنه يحمل معه الحداثة، فهل يبدأ الألم أم يمتد منذ أن قررنا إنتاج أنفسنا من جديد؟

ألم في الخاصرة.. ألم في محيط الامتداد الزمني الذي لم نتركه ينمو بل كنا فنانين في جعله يتأقلم معنا، أو مع طموح في أننا نحمل الثقافة لأنفسنا فقط، ربما لنثبت أننا متفوقون، لكننا في النهاية سنرحل دون تحدي الوجع الذي أدمناه وربما ستدمنه الأجيال القادمة التي تسبح في مساحة لا تملك تواصلها معنا.

والألم في النهاية يواجهنا نحن في محيط يضيق كل يوم ثم يبدأ بالتحرك على مساحات الزمن القادم، فهل سنقفز من جديد وراء الوهم أم أننا قادرون على الأقل تقديم صورة واحدة لمجال ربما تتطوره الأجيال القادمة؟ إنه سؤال الحرية الكاملة الذي فشلنا في اختباره وهو برسم الأجيال القادمة.