يبقى الحديث تفاوت في المواقف بين واشنطن و "إسرائيل" مجرد حديث عابر داخل الشرق الأوسط، فما يسمى اليوم بـ"أزمة" استدعت تشكيل لجنة تحقيق "إسرائيلية" بشأن الإعلان عن الوحدات الاستيطانية، هو انعكاس لنوعية "الإدارة الأمريكية" التي بقيت تقف عند حدود الأزمات، دون أن تكون قادرة على الدخول إليها بشكل قوي، ورغم ان البعض يتحدث عن أولويات أمريكية لكن سياسة واشنطن الحالية توحي بأنها تقوم برحلة انتقالية من الحرب باتجاه "التجميد"، وهو أمر ربما كان معروفا سلفا لكن الجديد فيه هو أنه لم يستطع أن يمنع بعض التحولات في "بنية" الشرق الأوسط.

بالطبع فإن الموقف الأمريكي الجديد لا يحمل معه أي "التزامات"، لأن هذه المسألة لا تحتاج فقط إلى تحرك سياسي من وزيرة الخارجية الأمريكية، بل لآلية سياسة متكاملة ما بين لجان الكونغرس للوصول إلى توجه حتى ولو لم يكن مختلفا ولكنه يمكن ان يتيح هامشا سياسيا أوسع، وفي المقابل فإن الأمر لا يبدو أمريكيا فقط لأن هناك أربع عوامل أساسية تحكمه داخل الشرق الأوسط:

الأول هو التوازن الفلسطيني الداخلي الذي يقدم انعكاسا واضحا للجبهات الإقليمية، فواشنطن تعرف تماما ان أي موقف جديد تجاه "إسرائيل" يمكن أن يخل بهذا التوازن، أو حتى يقوض سلطة عباس أو حتى يقويها، فالعوامل الداخلية لم تعد محكومة فقط بعناصر الصراع التقليدية أو بالتقدم على مسار التسوية، لأن ما حصل منذ أوسلو هو ظهور "حسابات سلطوية" داخل مناطق السلطة ذاتها جعلت من الصعب التحكم بالصراعات القائمة فيها.

الثاني نوعية الجبهات داخل الشرق الأوسط، ففي ذروة الحرب الباردة كان هناك "جبهات سياسية" تحولت إلى "عسكرية" منذ الحرب الإيرانية - العراقية، وتداخل هذا الأمر مع الصراع العربي - الإسرائيلي بشكل واضح، فحتى مسألة الإرهاب ظهرت في نسختها المعدلة من خلال تصريحات قادة القاعدة حول فلسطين، رغم أن هذا الموضوع بقي غائبا ومهمشا عندهم لفترة طويلة.

الثالث التوازن ما بين الكتل السياسية في الشرق الأوسط، فالدخول التركي إلى معادلة الصراع مهما بدا هادئا وسلسا، فإنه في النهاية يحمل أكثر من مجرد مواقف تجاه حرب غزة، فتركية تعتبر نفسها "مفصلا" سياسيا قادرا على القيام بما هو أكثر من مسألة المبادرات، وهو ما وضعها بشكل سريع في مواجهة الدول التي كانت دائما تقف مع دفع عمليات التسوية حتى في لحظات الحرب والعنف الإسرائيلي.

الرابع العامل الإيراني هو "جغرافية امتصاص" بالنسبة لكافة القوى الشرق أوسطية، وهذا على الأقل ما تقوم به الولايات المتحدة وحتى الدول الأوروبية، فالمسألة ليست فقط جبهة عسكرية أو سياسية بل أيضا خط المنافسة التي يمكن أن تظهر عنده كافة القضايا بصورة جديدة، وفي الصراع مع "إسرائيل" فإنه يشكل انزياحا في الاهتمام يجعل من مسألة فلسطين مرتبطة بصورة الشرق الأوسط الكلية وبالمصالح النفطية، وتبدو المقاومة وكأنها معلقة على مساحة من المصالح الأمريكية والخليجية، فإيران في هذه الصورة تمتص الأزمات لتعيد إنتاجها من جديد، وبالطبع فإن هذه الرؤية الأمريكية ماتزال ناجحة للترويج لسياستها ضد طهران.

السؤال الذي يظهر اليوم: هل علينا التركيز على "الأزمة" التي ظهرت بين الولايات المتحدة و "إسرائيل"؟ ربما كانت هذه الأزمة ليست في موقعها الحقيقي، لأنها تفتح مجالا جديدا لـ"المبادرات" كي تنطلق من جديد تحت مظلة هذا الخلاف "التقني" لأنه حتى اللحظة مرتبط بتوقيت إعلان "الخطط الاستيطانية".