من الصعب تخيل انتفاضة ثالثة، فمسألة الاستيطان اليوم رغم كل الضجة الإعلامية التي تحيط بها، فالبيئة السياسية اليوم تم إنتاجها في مرحلة مختلفة، وما يحدث حاليا يخرج عن سياق "الاستنكار" أو التصعيد لأن الاستيطان أصبح "نقطة الحماية" بالنسبة لـ"إسرائيل"، وربما علينا قراءته ليس من زاوية "التصادم" المفترض مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل ورقة الضغط الأساسية التي يمكن أن يستخدمها الاحتلال في أي تحرك قادم سواء كان عسكريا أو سياسيا.

وردود الفعل اليوم تخضع بشكل تلقائي لاستيعاب سياسي عام، فعندما اندلعت الانتفاضة الأولى والثانية كان إطارها محصورا داخل الأراضي المحتلة، وكانت الحسابات السياسية تقف عند حدود "أوسلو"، لكن ما حصل في الانتفاضة الثانية شكل "ظاهرة" خرجت عن السيطرة، وفي المقابل "كشفت" الواقع السياسي الإسرائيلي، وهو أمر ربما إذا تكرر فإنه يمكن أن يعيد مساحة التوازن، ويمكن هنا ملاحظة مجموعة من الأمور الأساسية التي شكلت غطاء سياسيا مختلفا تماما عن مرحلة الانتفاضة الثانية:

هناك بالدرجة الأولى "بيئة العمل السياسي" التي اصبحت محدودة جدا، فهناك إطار مازال "النظام العربي" مصر على التعامل معه، فالمبادرة العربية رغم عدم فاعليتها لكنها شكلت "الحد" السياسي النهائي للتعامل مع أي مشروع داخل فلسطين، لذلك لم يكن مستغربا أن تقوم لجنة المتابعة لهذه المبادرة تجاوز مهامها عندما منحت السلطة صلاحية التفاوض.

الأمر الثاني هي التكوين الإقليمي الذي لا ينظر إلى الانتفاضة كحالة مغلقة لها علاقة بالاحتلال الاسرائيلي، فالانتفاضة الثانية كظاهرة قدمت "الإمكانية الاجتماعية" للتحرك والصراع "المدني" إن صح التعبير، مع التذكير هنا أن الانتفاضة الثانية قدمت توزعا سياسيا مختلفا للقوى الفلسطينية، وهو أمر بات مقلقا بالنسبة لـ"الشرق الأوسط" الذي أظهر أن إمكانية التحول فيه تنطلق من فلسطين، وهي نظرية اعتقد النظام العربي أنه انتهى منها منذ بدأ مشروع السلام، فالغطاء الإقليمي لأي ظاهرة مقاومة لم تعد كما كانت عليه زمن الانتفاضة الأولى.

العامل الثالث بما يبدو فلسطينيا وذلك عبر الانقسام الداخلي الحاصل، لكن هذا الانقسام هو أيضا على مستوى المصالح السياسية أيضا وهو أمر لم يكن موجودا في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، فاليوم هناك احتمال ظهور صراع سياسي داخل السلطة أو خارجها، حيث لا يتوفر "الجامع الوطني" للقوى الموجودة على الساحة الفلسطينية.

العامل الإسرائيلي يبدو في الاستيطان الذي يشكل أكثر من مجرد فرض أمر واقع، بل هو أيضا نوع من "العصبية" في ظل اختلال سياسي عاشه الاحتلال منذ حرب 2006، فإذا كان صحيحا أن هناك عدم اتزان داخل الحكومة الإسرائيلية، ولكن في المقابل هناك فرص محدودة لإعادة خلق تمركز جديد حول "الدولة العبرية".

في ظل الواقع السياسي الحالي فإن الاستيطان يشكل صورة ستستمر كآلية سياسية وحيدة، إضافة لكونها تثبيت أمر واقع سيغير من بنية عملية التسوية.