للمناسبة فقط فإن الاشتقاق اللغوي كان مقدمة الحديث عن أي أمر في المدونات التراثية، فعلينا أن نبدأ بالتعريف الخاص به "لغة" ثم التطرق إليه شرعا، وهو ما برع به الرئيس أنور السادات عندما قرر أن يبدأ "رحلة السلام" مع إسرائيل، فكانت الآيات القرآنية لا تهدأ من لسانه ليعطي "شرعية اختراق حالة الصراع، وللمناسبة أيضا فإن مسألة المفاوضات غير المباشرة مهما كانت أطرافها تستدعي ليس البحث في فقه اللغة، بل في علوم الألسنيات، وفي رسم لغة مختلفة لا تقود بالضرورة نحو التسوية أو الحرب، بل نحو فهم أكثر عمقا لمسألة الصراع مع العدو.

هي مقدمة فقط تذكرني بأننا كنا قادرين دائما على التعامل مع الظواهر السياسية بكونها شأنا سياسيا فقط، لكنها في النهاية تقودنا إلى حالات من العمومية ومن التأثير على التفاصيل أيضا، فإذا كانت السياسة تقتضي "مفاوضات" فإنها أيضا تقود لنبش التفكير ولتركيز العقل نحو نقاط المستقبل المتوقع، فالسياسة تملك أهدافها المعلنة سواء بـ"السلام العادل أو الشامل"، أو استرجاع الحقوق، أو حتى بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته محمود عباس ،وهي تجميد الاستيطان لمدة عام فقط، فهل يستطيع التفكير إيجاد منافذ أمام الأهداف المعلنة؟!

الكل يحاول عدم الخوض في هذا الموضوع الشائك كونه قرارا سياسيا، إلا أن المعالجة لا تتعلق بالسياسة أبدا، ولا حتى بالإرادة الدولية لأن البحث في النهاية هو في طبيعة التفكير الاجتماعي المحايد، الذي يرى دائما الجانب السياسي بالأمر ولا يقدم جهدا اجتماعيا أو ثقافيا قادرا على فتح "الأفق" أو خلق ارتكاز نظري لمستقبل الأجيال.

هذا الأمر هو ما يدفع البعض إلى الاكتفاء برسم "السيناريوهات"، أو تحليل محتوى "خطاب السلام" الإسرائيلي، متجاهلين أن داخل الأراضي المحتلة هناك حالات يجب رصدها، واحتكاك دائم يختلف تماما عند الحديث عن مفاوضات مع جبهات، وبقدر هذا الاختلاف تكتسب "التسوية" مواقع جديدة داخل التفكير عموما، لكنها تحمل معها أيضا "إمكانية" البحث من جديد في الخطوط العامة لهذا الصراع الذي ينتقل من زاوية إلى أخرى، ومن احتمالات الحرب إلى رؤية التهدئة، ويحمل معه أيضا "رغبة معرفية" ليس في تفاصيل ما يحدث داخل المفاوضات، بل في التصور الاستشرافي لمستقبل تفكير الأجيال التي أصبحت تشاهد الحرب والسلام على الفضائيات، وتجهل أن هناك روايات حول هذا الموضوع، وأجيال فكرت قبلها أو حتى بقيت في حدود تتبع ما يحدث سياسيا.