لم يعد "موسم المصالحات" تعبيرا لائقا لبحث التوجه الإقليمي الذي يتطور سريعا، فزيارة السيد وليد جنبلاط تبدو حدثا متوقعا لكنها في نفس الوقت ترسم مساحة من "الهم الجغرافي" أكثر من كونها استرجاعا لتاريخ قديم، أو لعلاقات تعطلت بحكم "الاختراق الاستراتيجي" الذي تزامن مع احتلال العراق.

ما حدث لم يكن ارتجاجا في العلاقات أو محاولة لقلب المعادلة السياسية إقليميا، لأن الزخم السياسي الذي ظهر في لبنان كان يحمل أكثر من مجرد اقتسام للسلطة من جديد، أو تصليح لقاعدة "الاستقلال" التي شكلت شعارا في تلك الفترة، وبغض النظر عن الاستشهاد بمراكز الأبحاث الأمريكية التي حاولت رد ما حدث لتفكير أمريكي مسبق، فإن الوقائع كانت تحمل معها محاولة "التفوق" على الجغرافية، وفي كثير من الأحيان تجاوزها وفق حسابات سياسية سريعة، فالمسألة ليست في المساحة أو في تكوين الحدود السياسية، بل بـ"المجاورة للأزمة" وهو جعل التكتيك الأمريكي يتجه بسرعة نحو "سورية" التي شكلت نقطة ارتكاز للضغوط الأمريكية والدولية أيضا.

في زيارة جنبلاط المرتقبة عودة لقراءة الهم الجغرافي الخاص بسورية، فالحديث عن الاصطفاف السياسي لا يشكل العمق الخاص للتحول الذي ظهر وتم إسناده لعمليات المصالحة العربية، والواضح أن هناك صيغ تحالف تظهر غامضة إدا لم نأخذ بعين الاعتبار "الهم الجغرافي" في سورية، فالرهان بفك الارتباط عن إيران، أو الحديث عن العلاقات اللبنانية وزيارة جنبلاط إلى دمشق، أو حتى في مسألة التسوية والجولان فإنها تتداخل مع عملية "التماس" جغرافية صعبة تفترض دائما العبور منها للوصول إلى رؤية متكاملة لمصطلح "الشرق الأوسط" سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذه التسمية.

عمليا فإن التركيز على تفاصيل العلاقات السورية - اللبنانية بما فيها زيارة جنبلاط إلى دمشق يقدم مؤشرا على أن مستقبل كافة الأزمات لم يتحدد بعد، فدمشق لا تعيد رسم تحالفاتها في لبنان، والعملية السياسية تتداخل مع خيوط كثيرة يمكن ان تحسم في مراحل لاحقة عندما يتضح مستقبل "الأزمات"، ابتداء من الانسحاب الأمريكي من العراق وانتهاء بالوضع الفلسطيني، فهذا التداخل السياسي هو الذي فجر الوضع اللبناني ضد سورية وهو الذي شكل عمليا ما سمي "محور الممانعة"، وهو في المقابل مهما ظهر اليوم بشكل هادئ، لكن عوامل الأزمة مازالت موجودة فيه، زيارة جنبلاط تؤكد أن الأمر الوحيد المحسوم هو ضرورة التعامل مع "الهم الجغرافي" السوري بحذر جديد لأنه لا يفرض قوانين بل يقدم الممكنات الأساسية لسياسة شرق أوسطية متزنة، وربما قادرة على استيعاب النتائج الناجمة عن الأزمات.