يبدو وكأنه خبر تاريخي يمكن تحليله في أية لحظة، أو قراءته دون وضع تاريخ يوحي بأن القمة لها زمن او ملفات أو آليات خاصة، فالدورية في مسألة القمة العربية لم تخرجها من "الإطار" الذي تشكلت في داخله منذ ستينيات القرن الماضي، فهي حدث "المواجهات الطارئة" وليست تجسيدا لإرادة نظام يملك تصورا واضحا لجغرافية مصالحه في العالم، لذلك فإن ذاكرة القمم نادرا ما ترتبط قراراتها، وعندما نسترجع قمة الخرطوم فإننا نحاول تميز الحدث الأقوى: فهل حرب 1967 أكثر حضورا أم لاءات الخرطوم الشهيرة؟
بالطبع فإن المسألة ليست بما يتوقعه العرب، أو حسب التعبير الاعتيادي "الشارع العربي"، وهو أمر يستهوي الإعلام ويدخله في تناقض صارخ ما بين تركيزه على الحدث واستقراءه لردود الفعل خارج أروقة السياسة العربية، فموضوع اجتماع القيادات العربية لم يتخذ في يوم من الأيام شكلا نمطيا اعتياديا وذلك بغض النظر عن نتائج الاجتماعات، فهناك عواصف سياسية قبله ليس أقلها هذه الأيام الحادثة التي أصابت الرئيس محمود عباس وربما تمنعه عن الحضور، أو حتى تصريحات الرئيس الليبي أنه لن يستقبل أحد وسينتظر القادة في خيمته، فالظاهرة بذاتها تحمل معها الكثير من المؤشرات التي تدخل إلى صلب "المزاج السياسي" العربي إن صح التعبير.
عمليا هناك جانب لا علاقة له بالسياسة، وهو يتناول اتفاقيات وبروتوكولات سيتم التصويت عليها، وربما أهمها هذا العام مسألة الاتحاد الجمركي، لكن كل هذه الاتفاقيات يُعاد إنتاجها سياسيا في وقت لاحق، فالمزاج السياسي في النهاية هو المخرج النهائي لأي اتفاق مهما كان نوعه، وربما علينا هنا تسجيل ملاحظتين حول هذا "المزاج":
الأولى انه يظهر عبر مرحلتين: ما قبل القمة وما بعدها دون الدخول في زمن القمة نفسه، فقبل انعقادها تظهر التعبئة والمواقف وحتى "المبادرات"، وتبدو القمة وكأنها أمر مفاجئ للجميع ويدخل إلى تفاصيل حياتهم عبر الفضائيات، وفي هذه المرحلة بالذات تكثر التوقعات والتحليلات التي تبدو متحمسة رغم اقتناعها بأن الحدث بذاته لن يحمل جديد، وفي مرحلة ما بعد القمة يبدو المزاج السياسي وكأنه استيقظ فجأة على محطة أو موجة جديدة، فهو لا يتناسى أو ينسى ما حدث بل ينتقل لعيش في مكان مختلف، ويسترجع الأجندة السابقة أو يتابعها ليبدو اجتماع القادة العرب وكأنه حدث تاريخي وقعت أحداثه خارج الجغرافية العربية.
الثانية أن هذا المزاج يهوى تحقيق إنجازاته خارج أروقة القمة، فهو مقتنع بأنه يحقق بذاته شرطا موضوعيا مختلفا عن الآخرين، ووفق هذه الصورة فإن معظم الأزمات العربية تم التعامل معها وفق هذا الشرط الخاص، فاتفاق الطائف وأوسلو وكامب ديفيد ومفاوضات التسوية وغيرها تمت بعيدا عن أروقة الجامعة العربية، رغم انها اتفاقيات أعادة صياغة "التوجه العربي"، وبقيت المبادرة العربية التي أطلقت في بيروت وحدها دون الشرط الموضوعي الإقليمي الخاص بإرادة كل دولة غائبة دون أن تقدم شيء لأنها أطلقت كمبادرة وبشكل يتناسب مع حدث القمة العربية.
المزاج السياسي العربي يملك مشهده الخاص وتحركاته المختلفة، فرغبته في مسألة "القمة" تعكس على ما يبدو حالة واحدة تسترعي الانتباه وهي الرغبة في إيقاف الزمن لمدة يومين ثم العودة من جديد إلى المسار الخاص به.