سنتعلم منهم الكثير، وعلى الأخص من "صائب عريقات" لأنه على ما يبدو استطاع تصديق أنه "مفاوض ذكر"، وان قدراته التفاوضية أصبحت شاهدا داخل المستوطنات وفي أحياء القدس، فهو قادر على إعطاء دروس سياسية وحتى الحديث من "أريحا" عن "متانة الموقف العربي"، وعن وجود وزراء خارجية عرب وقفوا بشكل حازم ضد المستوطنات، فمثل هذه التصريحات تعلمنا الكثير وربما تجعلنا نفكر بحجم الشعارات التي عاصرتنا: كيف لم نصدقها؟ وكيف أننا اليوم مصرون على البحث في أسباب الهزائم بينما نحن "منتصرون".
نموذج عريقات هو الوحيد الذي يبقى مثل الظل كلما حاولنا ان نفكر، لأنه قادر على خنق التصورات طالما انه يمتلك حقائق لا نعرفها ولا نلمس وقائعها إلا عندما يقرر "هو" إطلاعنا عليها وعبر الفضائيات حصرا، فالموقف العربي بالذات علينا أن نعرفه من "أريحا" تلك المدينة التي أتخيلها على شاكلة بداية الحضارة، وأزرعها أيضا صورة للقدرة على الاستمرار رغم كل التاريخ الذي تكدس فوقها، لكن التاريخ شيء والدراما السياسية أمر آخر، خصوصا إذا كنا مضطرين لرؤية المدن الفلسطينية من زاوية التفاوض والتسوية والتذاكي على "الخلافات" الأمريكية - الإسرائيلية.
ونموذج عريقات لا يقدم مساحة قابلة للحوار، رغم الدبلوماسية الصفراء التي تزين صورته، فهناك بالضرورة مشاهد أخرى لاعتقالات وذاكرة أيضا لا تستطيع نسيان غزة، والأهم هناك أرض و "جغرافية" لا يمكن شطبها وفق مبدأ المفاوضات، فإذا كان الصراع على دولة فهو أمر يزول بحكم الزمن طالما أن الدول لم تشكل ثباتا على مسار التاريخ، بينما تقدم "أريحا" التي يتحدث منها عريقات أكثر الصور قوة عن الامتداد الحضاري وربما عن الرؤية التي تدفع نحو مواجهات غير متكافئة.
هي مجرد صورة يكتبها البعض على مساحة السياسة بمنطق "اللاسياسي"، وبنوع من القدرة على التنبؤ ورسم الخيالات، وفي النهاية لا يتوقف الزمن عن حركة التهويد، ويبدو الاستيطان عملية فرز تجعل المقاومة أصعب لكنها أكثر وضوحا، فالتسوية لا تتم على أرض فلسطين بل داخل عقولنا وتريدنا على الحد الفاصل بين أحلامنا والقدرة على حشرنا في مناطق الظلام وفي التصريحات العنجهية سواء صدرت من نتنياهو أو من صائب عريقات.
هل يمكن أن ينتهي الزمن عند هذا الحد؟ وهل يستطيع العقل احتمال حالة "التعليم" المفروضة علينا عبر وجوه باتت مألوفة؟! إنها ليست أسئلة بل قلق، لأننا في اللحظة التي نترك فيها خيالنا يسبح باتجاه الناصرة أو القدس أو غزة فإن جيلا جديدا يظهر وهو يحمل معه كل احتمالات البقاء، بينما تبقى التصريحات السياسية مجرد حدث عابر لن يتذكره أحد.