حتى اللحظة هي قمة هادئة بصورتها المبدئية، دون ان يعني الاستقرار في التحضير لها أنها ستخلو من المفاجآت على الأخص أن ليبيا هي التي تستضيفها، وفي المقابل فإن هذا الهدوء لا يعكس نوعية المواجهة المحتملة التي يمكن ان يدخلها النظام العربي في مرحلة ما بعد القمة، فهناك مأزق استراتيجي يبدو أن السياسات العربية تحاول تجاوزه عبر آلية "تجميد الأزمات" التي اتخذت مسميات مختلفة.

عمليا فإن النظام العربي لم ينشأ على إيقاع التعاون او التنسيق الاقتصادي، ورغم ان فكرة إنشاء جامعة الدولة العربية يرجعها البعض إلى "السياسة البريطانية" في المنطقة، لكنها كمنظمة نشأت على تحد أساسي مرتبط بالتحولات الدولية لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان واضحا منذ بروتوكول الإسكندرية (1944) مدى الحساسية الذي اتخذه مصطلحي الاستقلال والسيادة كنوع من التعبير عن ظهور التشكيل السياسي الجديد في الشرق الأوسط، فالجامعة العربية كمفهوم نشأ "شرق أوسطيا" رغم أنه حمل مسميات "عربية شاملة"، والخلل البنيوي اليوم ينطلق أساسا من تمركز الأزمات التي تواجه النظام العربي في منطقة الشرق الأوسط، فالتعامل مع مفهوم النظام العربي لم يكن مجردا من "الوضع الإقليمي"، وربما كان نوعا من إسقاط "نمط" السياسي السائد دوليا على منطقة هي في طور التكوين بالنسبة للعالم الجديد، رغم انها في نفس الوقت تملك مكونا تاريخيا معقدا، وربما لهذا السبب بقي "العمل العربي خاضعا لخطين سائدين حتى اللحظة:

الأول قدرة السياسة الدولية على النفاذ إلى عمق النظام العربي من خلال "الشرق الأوسط" بالدرجة الأولى، فهو تكوين تم تشكيله على سياق "وظائف الشرق الأوسط" المتعددة، ومثل هذا الأمر خزان أزمات حتى بالنسبة للجامعة العربية التي وجدت نفسها تقف على هامش الصراع الدائر من الخمسينيات وقضايا "سد الفراغ" التي طرحها الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وانتهاء بأزمة الشرق الأوسط وفق تصورات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، والتجلي الأساسي لمثل هذا الأمر كان يظهر في "القمم" العربية التي تشهد ظهور الصراعات إلى العلن، بينما تنام الاختلافات على امتداد الشهور والسنوات التي تفصل أحداث القمة.

الثاني هو خط "التوازن في الأدوار" الذي يبدو ضروريا في ظل التداخل ما بين النظام العربي والشرق أوسطي، على اعتبار أن الثاني يختزن معظم الأزمات العربية تاريخيا، وعلى ما يبدو أن القمم العربية على وجه التحديد حملت وظيفة واضحة في رسم الأزمات على قياس الأدوار التي تتعامل معها الكتل السياسية الأساسية في الشرق الأوسط، هذا الأمر جعل مصطلحات مثل المصالحة وتنقية الأجواء وحل الخلافات تسبق أي حديث عن "الأزمات" التي تواجه "النظام العربي".

المساحة الخاصة بالنسبة للقمة الحالية تقع في اتجاه يبدو افتراضيا، وهو أمر لا يختلف عن أي قمة سابقة، فهي حدث لا يبحث عن المواجهة الحقيقية مع "النظام العربي" بل مع ظلال الأزمات التي هي في النهاية تجل حقيقي لنوعية فهم العرب لأنفسهم ولقدرتهم على التعامل مع وجودهم الشرق أوسطي بالدرجة الأولى.