هي قضية أساسية وربما يمكن تسجيلها كسبق في مسألة "النظام العربي"، فلأول مرة يتم البحث عن تحالفات من داخل المنطقة، ودون أن تكون انعكاسا لمسرح دولي أو لصراع استراتيجي بين قوتين عالميتين، ورغم كل التحفظات التي ظهرت على هذه "الرابطة الإقليمية"، فإنها على الأقل دخلت مساحة التفكير العربي، وبالطبع فإن أسئلة كثيرة يمكن البدء بها لقراءة هذا التصور السياسي، ليس أقلها عن كيفية خلق هذا "الحزام الإقليمي"، في وقت يبدو فيه "الإقليم" غير منسجم استراتيجيا، لكن مهمة اليوم هي في رسم "التصور" الأولي لهذه "الرابطة الإقليمية" التي أتت نتيجة ظروف وليس بحكم مسبق أو حالة من الوهم السياسي.
الإشكال الأساسي الذي يواجه هذه الرابطة هي نوعية الدول الموجودة فيه، فنحن نتحدث عن "حزام" غير عربي ولا يحمل معه انسجاما ثقافيا أو حتى سياسيا، على الأخص إذا قارنا إيران بأثيوبيا، أو تركيا بأي دول إفريقية أخرى، ففكرة الحزام بذاتها تحمل "مطبات" منذ البداية، رغم أن النقاش داخل القمة اتجه مباشرة صوب إيران، وبشكل يوحي ان بقية الدول ستكون "تحصيلا" للسعي العربي في إنشاء هذا الحزام.
عمليا فإن الأمين العام للجامعة العربية وضع أسماء دول معظمها منخرطة في الأزمات العربية، لكن هذه الأزمات مختلفة نوعيا، فعلاقة تشاد مع أزمات السودان لا تشبه "العامل الإيراني" في أزمتي العراق وفلسطين، والتصور الأولي لهذه الدول يمكن أن يظهر وفي مجموعة من النقاط:
أولا: انخراط هذه الدول في أزمات المنطقة ناجم عن التداخل الواضح في الرسم السياسي لكل دولة، وذلك بغض النظر عن الاستراتيجيات المختلفة، فإيران تبحث عن دور إقليمي واضح فيما لا نستطيع النظر إلى تشاد بنفس الطريق، لكن الدولتين لهما تداخل تاريخي الجوار العربي.
ثانيا: يختلف التوزع "الجيوستراتيجي" لمناطق تماس هذا الحزام، فرغم أن أثيوبيا على سبيل المثال هي في تماس مع "الصومال" كدولة عربية تعتبر ساحة لمحاربة الإرهاب، لكن نوعية الحرب على الإرهاب حتى اللحظة مختلفة عما يدور في أفغانستان أو حتى العراق، وهو ما يجعل "إيران" مثلا في موقع مختلف، في المقابل فإن تركيا تشكل موقعا متميزا، وهي ربما تكون نقطة التقاء خاصة لمسائل متعلقة بالتنوع السكاني أكثر من علاقتها بشكل مباشر مع الإرهاب.
ثالثا يتبع التوزع الجيوستراتيجي" نظرة دولية مختلفة، فالولايات المتحدة متورطة في مناطق الصراع في آسيا بشكل مباشر، بينما علاقتها مع ازمة دارفور والصومال ليست عسكرية بقدر ما هي "استخباراتية"، وهو ما يجعل هذا الحزام متفاوت في مستوى "الطاقة" السياسية التي يملكها ذاتيا أو في علاقته مع الاستراتيجيات العالمية.
الصورة الأولية لهذا الحزام المقترح تقدم شكلا يستحيل وضعه ضمن إطار "مؤسسة" واحدة أو تكوين قادر على استيعاب كل متطلباته كي يتحمل الأزمات التي تتشكل على حدوده، لكنه في نفس الوقت يمكن أن يطرح حالة سياسية جديدة في مسألة التعامل مع أزمات الشرق الأوسط، وتحديات أيضا في مواجهة إرادة دولية تريد النفاذ عبر هذه الأزمات إلى المنطقة.