الفصام الأساسي الذي يواجهنا ليس بيولوجيا، لأننا قادرات على التحايل، وهي سمة مكتسبة تاريخيا طالما أن مسألة البيولوجية لا يمكن الانفكاك منها، لكنها أيضا تملك وجها آخر، فهل البيولوجية الذكورية لا تملك أي انعكاسات حياتية؟ وهل التفكير بهذا الموضوع يمكن أن يقدم لنا معطيات مختلفة....

البيولوجية التي نتعامل معها تبقى نسبية لأنها تتبع طريقة النظر إليها ثم التعامل معها، فهي اعتبرت ناقصة بالمقارنة، وتم خلق وعي خاص يضعها على مسافة مختلفة من ظواهر حياتية لها علاقة بالآخر، فإذا كان صحيح أن الوعي هو في النهاية "وعي مقارن"، ولكننا على ما يبدو نملك طرفا واحدا للمقارنة، وهو يحدد المقاييس بهذا الشأن.

إذا حاولنا قلب المعادلة فإننا سنجد معرفة جديدة، وربما سنكتب تاريخا مختلفا عما هو سائد، وهذه النقلة حصلت في عالم آخر أو ثقافة مختلفة عنا، فلم تعد تصرفاتنا تُبرر بعامل بيولوجي، وفي المقابل ظهر الفصل الواضح بين "مزاجنا الجنسي" وأشكال أجسادنا، والنتيجة هي التحرر من عقدة الجسد كحالة "ناقصة" أو حتى "متميزة"، وهذا النوع من "الاستقلال" خلق عند الآخر قناعات بأن "الجنس" شأن شخصي فظهرت عمليات قلب "الجنس" على ندرتها كحالة من الحرية الفردية....

لن أصل إلى هذا الحد لكنني أريد أن أقرأ من جديد مسألة الجسد، أو اعتباره "الحكم" النهائي على مصيرنا، لأن تحدي الحرية الأول انحصر به فهو أقدم صورة ذهنية يمكن تقديمها للآخر، وهو أيضا الذريعة التي يمكن عبرها الدخول إلينا وترتيب عالمنا بشكل مختلف، فهل يحق لي أن أطلب نسيان "الجسد" كشكل نهائي قبل الحديث عن مشاكل الأنثى؟!! طلب غريب لكنه يبدو ضروريا إذا أردنا التحرر من عقدة "القضيب" حسب تعبير فرويد، وعلى المستوى الاجتماعي الانتهاء من التصنيف على أساس الأجساد، والتفكير أيضا بأننا أجساد يمكن مقاربتها بالطبيعة كحالة تعويضية عن النقص الحاصل بها، بينما أجساد الذكور مستقلة بذاتها وتحمل معها الصورة المكتملة!

الفكرة تبدأ من تشكيل الأجساد وفق ما ننظر إليها نحن كإناث قادرات على التوصيف والمعرفة، وربما يظهر مشهد مختلف يعبر عن التنوع ويغني التفكير بالبيولوجية كحالة يتم عليها التصنيف داخل مجتمعات مغرمة بخلق درجات وسلم للوظائف في هذه الحياة، فالتصنيف البيولوجي المعتمد علميا هو فقط لرسم عالم متنوع ولخلق معرفة أوسع بمقدرات وطاقات البشر، لكن النظرة الثقافية هي المشكلة وهي سبب الفصام الذي نعيشه ذكورا أو حتى إناث.