مجرد خطوط متشابكة يصعب التعامل معها وفق اليقين الكامل الذي يتملكنا، فالمسألة تبدأ من القناعات النهائية لنا، ثم نغرق في البحث ونحن نملك النتائج سلفا، فالحركة تكريس لقناعاتنا التي لا نستطيع الخلاص منها، تماما مثل التشابك الذي يلتقي عند القعدة، أو يتفرع ثم يعود، فتبدأ الحياة وتنتهي دون أن نحقق الرغبة في الخلاص.

الخطوط المتشابكة لا تحتاج إلى حالة من اليقين، لأن الشك هو المحور الذي يمكن أن نعتمده، وربما علينا أن نشك بأنفسنا وبأننا بالفعل قادرون وقادرات على البدء من جديد، وبناء معرفتنا بعيدا عن عمليات الإطلاق والإيمان الراسخ والثوابت التي لا يمكن لأحد أن يبدلها، فإذا أردنا الانتهاء من القحط الذي أصبح "هوية" تلازمنا، ومن الصور المكررة التي أدمناها، فربما نستطيع أن نبدأ برسم لوحة لزمننا فقط، ونترك لتلك الأجيال التي تظهر في رسم ما تشتهي.

كنت أحلم في الصغر بابتداع لون إضافي يمكن أن يضاف لقوس قزح، وفي الحقيقة كنت أشعر انه يمكن أن يزين خضرة أشجار المدينة التي تبدو منتظمة أكثر من اللازم، ومرتبة بشكل يدفع على الضجر، ولكن في حر الصيف كنت أتأكد أنها ضرورية لكن ينقصها حالة الاتساق مع كونها أشجار وليس عمارات، فكسر الرتابة يمكن أن يكون بلون جديد فهل فشلت؟!

مازلت حتى اليوم أضع في خيالي مشهدا إضافيا لأشجار المدينة أضيفه للرؤية البصرية، فأفرح لأنني على الأقل أبقيت بعضا من الخيال في ذاتي، وعندما أقف أمام المرآة فإنني أرسم شكلا ذهنيا جديدا لوجهي أو حتى لجسدي، وأحاول من هذه التفاصيل التي احتفظت بها لنفسي أن أبدأ في قراءة الخيوط المتشابكة التي تبدو سوريالية أكثر من اللازم، فهي تلتقي في السياسة وتفترق، وفي الأدب تتعانق ثم تفترق على سياق الحكايات القديمة، فهل نحن جزء من هذا التشابك؟ أم أننا مراقبون وقادرون على بدء طريق مختلف عنها؟!

أسئلة كان هدفها كسر التكرار والنمطية، لكنها أيضا أحاطتني بجملة من الشكوك؟ حتى في التصرفات التلقائية عندما نرى عاشقين فكيف نفكر؟ وهل نستطيع البدء من نقطة مختلفة بالنسبة لهما؟ هل يمكن أن نراهما تداخلا للجهات الأربع يمكن أن تنتج جهة خامسة... إنها مسألة لا ترتبط فقط برؤيا علينا ابتداعها كلما وصلنا إلى حالة اليقين، بل أيضا بقدرتنا الدائمة على توليد الحلم... وعلى احتلال موقع "الخلق" كلما دار الزمان أو فكر البعض بتوريث الأجيال القادمة صور نمطية لحياة عليهم "هم" أن يعيشوها ويبتكروا فيها ما يشاؤون... فالحياة تجربة لا تتكرر لذلك لا خبرة مكتسبة فيها وأهميتها بممارستها كحياة غير قابلة للتكرار.