"رابطة الجوار" لا تدور فقط كفكرة تسير على مساحة المبادرات العربية الدائمة، أو حتى التوصيات التي لا نعرف هل تريد تقديم حسن نوايا أم الاعتذار عن عدم القدرة في التأثير على الأزمات، ففي النهاية يبدو المشروع وكأنه استرجاع للواقع التاريخي الذي شكل الأزمات، وهو ما يدفع إلى بحثه بجدية على مستوى "النخب" إن صح هذا التعبير، وذلك قبل أن يصبح مجرد إجراءات منسية من تاريخ الجامعة العربية.

إحدى القراءات الأساسية لمثل هذه الرابطة تنطلق من نقطة "التمايز القومي"، فظهور هذا الشعور وارتباطه بانطلاقة الدولة الإقليمية حمل معه حدية خاصة كانت في جانب منها انعكاس للأحداث الكبرى التي شهدها العالم في بداية القرن الماضي، لكن الجانب الأساسي هو في اقتناع "رواد النهضة" بضرورة خلق تمايز قومي واضح وقادر على تجاوز قرون من الذوبان في رابطة لم تعد قادرة على انتشال المجتمعات، وبدت الدول التي ظهرت على الأخص وفق خارطة سايكس - بيكو بتداخل جغرافيتها مع "الهامش" الإقليمي وكأنها مضطرة لمواجهة قوس أزمات شمالي يتجه شرقا، إضافة لصراع أثر على مجمل تحالفاتها الإقليمية "غير العربية"، وانتهى في شكله الحالي إلى تقسيمات داخل الشرق الأوسط المتخم بالتوازنات القلقة.

فـ"رابطة الجوار" إضافة لما تمثله بإعطاء شرعية لأدوار مختلفة بقيت متداخلة ومتراكبة مع النظام العربي، لكنه ايضا يمثل عودة تاريخية إلى صورة أوسع في رؤية الأزمات، ففي الشمال والشرق كانت هناك جبها ت حتى ولو لم تشتعل بشكل دائم، والرابطة يمكن أن تتجاوز مسألة "المناطق العازلة الموجودة على الحدود التركية أو الإيرانية، والأهم أنها قادرة على كسر العلاقة العادية في رؤية استقرار وأمن المنطقة، وفي المقابل فإن فاعلية مثل هذه الرابطة لن تكون عبر مشروع يحمل معه إجراءات محددة، لأنه إذا لم تكن غايتها إعادة توزيع مصالح الشرق الأوسط من جديد فإنها ستدخل في إطار من "المراوحة" عند حدود الرغبة في تفعيل هذه الرابطة، في وقت تبقى المصالح الدولية هي الأقدر على النفاذ إلى المنطقة.

فالرابطة بالدرجة الأولى هي اختراق للشرق الأوسط كتوازن سياسي مغلق، رغم أنها لم تحاول تجاوزه بالمعنى الجغرافي، فعندما تستطيع أن تعي تعريف المصالح الدولية داخل هذه المنطقة، بحيث لا تكون هذه المصالح أداة للصراع الداخلي عندها يمكن البدء برؤية "شرق أوسط الجديد" وفي سياق داخلي وليس كخزان أزمات لدول من خارجه.

تحديد المصالح ربما يحتاج إلى قراءة "التمايز القومي" من جديد، ووضع المسألة القومية في إطار قدرتها على بناء الدولة الحديثة، وليس فقط كشعار إيديولوجي موجها بالدرجة الأولى للمحيط الجغرافي، فالرابطة يمكنها أن تنطلق من الإحساس القومي الذي تشتت، وهو إحساس يدرك في النهاية كيفية تحديد المصالح وربما "العدو"... إنها "المعادلة الصعبة" التي ستواجه بدء التفكير بهذه الرابطة.