المسألة عسكريا تثير السخرية، لأن حديث الصواريخ هنا ينقلنا إلى مرحلة متأخرة في الحروب، وإلى صعود نجم هذا الصاروخ الذي دخل الخدمة في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1957، والتسمية جاءت من حلف الناتو الذي بدأ يستخدم هذا الاسم على كل طرازات هذا الصاروخ، ولكننا في النهاية فإننا سنبقى أمام تقنيات مهما عدلت فإنها تنتمي إلى زمن آخر، والاتهامات السياسية اليوم هي من زمن مختلف عن المرحلة التي اعتقدنا أننا دخلنا بها.

العودة إلى "سكود" هي نوع من "النمذجة" أو التنميط" لسورية وحزب الله، فبمجرد الحديث عن صواريخ "سكود" فإننا سننتج صورة ذهنية لاختلال الكويت ولمرحلة التهديد بالصواريخ التي ميزت فترة الاستباحة القصوى لمنطقتنا، فالطرح اليوم لم يعد يدخل في إطار "صدقية الخبر"!!! أو طريقة نفيه وعدم القدرة للوصول إلى مصدر واضح في هذا الموضوع، لأنه على ما يبدو هناك محاولة لإعادة إنتاج ظروف سياسية كنا نعرفها سابقا، تبدأ بمسألة تهريب الأسلحة ومراقبة الحدود اللبنانية - السورية، وربما لا تنتهي عند نقطة ترتبط أساسا بصياغة معادلة إقليمية مضطربة.

الحديث عن صواريخ "سكود" مصحوبة بقلق أمريكي (إذا) صح هذا الأمر ربما يقدم معطيات سياسية مختلفة لابد من مراقبتها بشكل دقيق لأنها مرتبطة بثلاث أمور أساسية:

الأول هو نوعية البيئة السياسية التي يتم التحضير لها سواء عبر تصريحات إسرائيلية سابقة ضد سورية، او من خلال خلق التوتر بقرار يهدد آلاف الفلسطينيين بالطرد، وانتهاء بقضية "الصواريخ" المتزامنة مع التصديق على تعيين السفير الأمريكي في سورية، فهناك أسئلة على ما يبدو يتم طرحها من جديد أمام الإدارة الأمريكية، وهي دورها ربما ستلعب دورا في السياسة الأمريكية خلال العام القادم على أبعد تقدير.

الثاني مسألة الحوار الوطني اللبناني والجدل فيه حول سلاح حزب الله، فـ"الصواريخ" باتت مطروحة على طاولة الحوار التي ستنعقد اليوم، ولا شك أنها ستؤدي في النهاية إلى تعقيد الأمر بغض النظر عن صحة الاتهامات، فهي "اتهامات" لكسر أي مقترحات تم تقديمها قبل أن تعرب واشنطن عن "قلقها".

الثالث مرتبط بعلاقات سورية الإقليمية، ففي النهاية هناك رغبة في إدخال دمشق ضمن دائرة الشك، والملاحظ أن الطرف الإسرائيلي هو المبادر إلى الارتقاء ببعض الشكوك لمستوى الأزمة، فإسرائيل هي التي اعتدت على موقع سوري ليبرز في النهاية كموقع لـ"الاشتباه النووي"!!! وهي اليوم تطرح موضوع الصواريخ ليشكل نقطة انطلاق ربما لتأزم علاقات سورية إقليميا ودوليا.

ربما تظهر اليوم دائرة مختلفة في قضية ظهرت وكأنها مجرد "اتهام" ينتمي لمرحلة "التوترات" ويبقى السؤال هل نحن أمام مرحلة من التوترات الجديدة؟! إنه سؤال يبقى مرهونا بمرحلة قادمة أو ربما بنوعية البيئة السياسية التي ستظهر خلال الأشهر القادمة.