مضطرة للعودة إلى مسألة "الرقص المعاصر"، ربما للبحث عن المعنى الذي يمكن أن يقدمه رقص ثنائي من ذكرين، بينما اعتدنا ان نبحث عن أجساد الإناث في مثل هذه الحالات، وأن نؤرخ لأشهر الراقصات، وأن يبقى تحرك الجسد متعة استرخاء بدلا من أن يكون "متعة مجهدة" في الرقص المعاصر.

ربما في التظاهرة الحالية للرقص المعاصر حالة تتجاوز أروقة الأوبرا السورية، لأن المسألة تبدو أحيانا أنها تشكل مجالا ثقافيا مختلفا عبر الكتابة بالجسد، او الحفر بلغة ماتزال مرتبطة أمامنا بمفاهيم ومصطلحات تحتاج اليوم إلى قاموس جديد، فالرقص على ما يبدو أصبح رواية بينما بقي "إيقاعا" داخل تفكيرنا، والمسرح انتقل عبر مثل هذه العروض إلى اختصار الحياة ، في وقت ما يزال فيه "همام الحوت" يقدم ثرثرة بأصوات عالية تنزاح سريعا من الذاكرة.

عندما كنت أتوقف أمام فرقة آلتا رياليتات الإسبانية التي قدمت عرضها "أوليليس" المأخوذ عن رواية "جمرات" للكاتب الهنغاري ساندور ميراي، كنت في نفس الوقت أعرف مدى جهلي بمسألة النقد الفني، وأدرك أن الحديث الذي يمكن أن ينتقل بين الناس سيبقى مقتصراعلى مجموعات من النخب إن صح التعبير، وأنا لست منهم، لكن الأمر يتجاوز فقط العرض الذي ظهر، وهو ينتقل إلى كل المساحات التي نحاول أن نجعلها مجالا لثقافتنا ابتداء من الدراما ووصولا إلى تجارب المسرح المتعثرة، فهناك تعقيد لا نستطيع أن ندخل إليه من مساحة الماضي، أو ما نملكه داخلنا من تراث ثقافي.

أن نرقص يعني أن نشكل ثقافة فيها من الرواية والموسيقى وربما الشعر، وفيها خروج من أزمات الفلسفة والفيزياء، وهي تمرد على أرسطو والغزالي، وإحراق لمعارف أصبحت معلومات فقط، فالمسألة ليست رقصا بل طيف ثقافي كامل، لذلك فإن الرقص المعاصر لا يمكن أن يكون جنسا يمكن أن نطوره بمفرده، ولا تستطيع الدراما أن تصبح معلما وليس سوق إنتاج خليجي قبل أن النفاذ إلى تلك الثقافة التي نحملها وكأنها عبء وليست متعة.

ثقافتنا مليئة بالاعتصام والاجتماعات والاحتجاجات، سواء كانت عبر شكل مباشر أو إنتاج درامي أو مسرحي أو حتى آلية في الحياة، بينما نعجز عن إنتاج تعبير جديد ومختلف عن التفكير الذي يمتطينا...

أسئلة تظهر دوما عندما نجابه الإنتاج الثقافي الملون والمشكل، فلا نعرف لماذا نقتصر على تكوين واحد، أو حتى على البهرجة باحتفالات لتوزيع جوائز فنية في وقت لا نستطيع فيه جعل الواقع الثقافي متكامل مع الحياة العامة....

إنها أسئلة أثارتها تظاهرة ثقافية واحدة فقط.... فهل نملك غير الكتابة بالجسد، أم أن القلم سيبقى أداتنا الوحيدة...