معظم الاجتماعات العربية تنهي عند حدود "حسن النية"، فالسمة الأساسية التي يريد النظام العربي وضعها هي حالة "الهدوء" التي تشكل على ما يبدو ضمانات خاصة له، فبعد اجتماعات لجنة المبادرة العربية كان هناك رسائل "خضراء" لكل الأطراف، فهناك فرصة لـ"الإدارة الأمريكية"، ورسالة للمجتمع الفلسطيني بأنه لن يدفع ثمن الاستيطان، وحتى "إسرائيل" جاءتها بعض هذه الرسائل فالجانب العربي "لا يثق" بها فقط، لكنه لم يصفها بأي شيء يخدش حياء السياسة أو يدفع لتصعيد تجاهها.

وربما علينا أن نسأل عن أهمية مثل هذه "الرسائل" الموزعة وكأننا أمام طقس روحاني وليس أمام واقعية سياسية، فمسألة حسن النوايا لا تعكس سوى طبيعة "النظام العربي الذي على ما يبدو تآلف مع الوجود الإسرائيلي، أو مع نوعية الدور الذي يلعبه الاحتلال في تكييف أمن النظام العربي مع "إستراتيجية إسرائيل" الخاص ببقاء.

التحليل الأولي يوضح أن هناك نوعا من الأجندة الزمنية بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهذه الأجندة موضوعة أمام لجنة المبادرة العربية كي تتعامل بها، حيث يبدو الزمن الخاص بها وكأنه ترتيب لأولويات واشنطن في ملفي إيران والإرهاب، وحتى يتم حسم هذا الموضوع فهناك "تسيير أعمال" فيما يخص التسوية أو موضوع الاستيطان الإسرائيلي أو حتى خصوص "صواريخ سكود" التي عبر الحدود بقدرة قادر باتجاه وسائل الإعلام الدولية.

وإذا كانت لجنة المبادرة العربية قادرة على التعامل مع زمن مفتوح فإن "إسرائيل" نفسها لا تستطيع أن تترك هذا الزمن وفق المزاج السياسي العربي، وهنا يكمن الخطر الحقيقي في تجاوز مسألة "الثقة" أو عدم الثقة بـ"إسرائيل"، لأنها غالبا ما تخوض اعتداءاتها في الزمن الضائع أو المحسوب على "النظام العربي" دون غيره، فما تقدمه لجنة المبادرة العربية دوريا يؤكد أن المسألة هي آلية للحفاظ على حدود "الصراع" العربي - الإسرائيلي وليس موضوع تسوية أو مسار باتجاه "السلام".

عمليا فإن الحسابات داخل اللجنة هي نفسها الحسابات داخل التوازن الإقليمي، وهي تمل معها حوهر الخلافات العربية التي تصعب إداراتها بعد عام ونيف على بدأ مسألة المصالحة العربية، فالقضية هنا هي تبديل شكل الاستقطاب الذي حدث بعد احتلال العراق دون أن تتغير طبيعة الاستقطاب أو تتخذ واقعا جديدا يدفع بالشرق الأوسط إلى توازن حقيقي يمكن أن يضع المنطقة في مساحة الآمان.

لجنة المبادرة العربية ستبقى قادرة على تطويق الصراع مع "إسرائيل"، وهي في نفس الوقت تحولت مهامها بعد أن تجاوز الزمن المبادرة نفسها، لكننا لا نعرف لماذا تبقى اللجنة قائمة.

مصادر
سورية الغد (دمشق)