لن يؤثر موضوع تجديد العقوبات على سورية أو حتى اللهجة القاسية التي استخدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على طبيعة التوازن الحالي في المنطقة، فهناك اكثر من مسألة "العقوبات" أو التعامل مع "السلوك" السوري الذي حسب زعم اوباما يشكل "خطرا غير عادي" على الأمن الأمريكي، فالعلاقات مع واشنطن لم تتحول خلال المرحلة القادمة إلا باتجاه "الاسترخاء"، وكان الحوار الأمريكي المفتوح مع دمشق محاطا بشروط مزدوجة ما بين الموضوع الإيراني ومسألة التسوية، ولكن في المقابل لم يعد هناك "حزمة" من التوجهات المفروضة كما حصل في مراحل سابقة، والواضح اليوم أن السياسة الأمريكية "الناعمة" كانت تعيد توزيع ذاتها على أزمات الشرق الأوسط دون التدخل في العوامل التي تحكم المنطقة، وهو الأمر الذي أسماه أوباما الحوار سواء مع طهران او دمشق.
عمليا لم تشهد المنطقة تغيرات حقيقية نتيجة هذه السياسة، وتجميد الوضع في الشرق الأوسط ربما أتاح للإدارة الأمريكية توفير جهدها نحو باكستان وأفغانستان، لكنه في المقابل شجع القوى السياسية في للتحرك وربما للتعامل مع الأزمات بشكل مختلف، فبقيت التسوية تحوم في "مجال الرغبات" للرئيس أوباما وليس وفق آليات سياسية رغم إرساله لجورج ميتشل أكثر من مرة للمنطقة، والمؤشرات حول مستقبل المنطقة حسب المسار الأمريكي تقع وفق دائرتين:
الأولى التركيز على اختراق الجبهة العراقية من خلال دول الجوار الجغرافي، وهو أمر بالغ التعقيد ومن الصعب تحقيقه دون خلق بيئة مختلفة في المنطقة عموما، فالتأثير على القوى العراقية من أجل ضمان العملية السياسية بشكل يساعد القوات الأمريكية على الانسحاب لا يمكن ان يتم بمعزل عن باقي ملفات المنطقة، وفي حال وجود تعاون سوري أو إيراني فإن هذا التعاون له شروطه بالنسبة للجانبين، وربما تكون هذه الشروط مختلفة رغم العلاقات القوية التي تربط طهران بدمشق، فتبديل الأدوار إقليمية في العراق يحتاج على "محفزات" لا يمكن لواشنطن القيام بها دون البحث في أزمتين إضافيتين هما الملف النووي الإيراني والتسوية.
الثانية وضع مسارات التسوية في إطار مختلف عما سارت عليه إدارة بوش عبر الرباعية او متابعة خارطة الطريق، فالأمر الأساسي الذي حققه العدوان على غزة هو "التحييد السياسي" للمقاومة في ظل مناخ تمت إشاعته عن إدارة أمريكية جديدة تسعى لانفراج إقليمي. وبهذا الشكل ظهر "الانطلاق" من جديد بالتسوية وكأنه النقطة المركزية للرسم صورة جديدة للولايات المتحدة في المنطقة، وهو امر تزامن مع واقع متناقض في "إسرائيل" التي تعيش أزمة أمنها من جديد، وربما عدم قدرتها على "المبادرة العسكرية" بشكل يرسم التوازنات الإقليمية وفق إرادتها. وتعكس التهديدات ضد سورية أو حزب الله ثم أزمة صواريخ سكود وحتى الحديث عن حرب مقبلة، او حتى تصريحات كلينتون بشأن قرارات سورية التي وصفتها بأنها ستحدد الاستقرار في المنطقة، محاولات لخلق بيئة سياسية تتقدم فيها "المخاطر" على احتمالات السلام، رغم ان الولايات المتحدة وحتى "قادة إسرائيل" يستبعدون حلولا عسكرية.
هذا التصادم بين "السياسة الناعمة" التي تحاول الولايات المتحدة إقناع الجميع بها، وبين الواقع داخل الشرق الأوسط ربما دأ اليوم يأخذ موقعا خاصا وربما حالة حسم من خلال الفرز السياسي على الأقل، فلهجة اوباما في تجديد العقوبات لا تحمل سوى سعيا لخلق استقطاب في الشرق الأوسط مع بدء الحديث عن مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين و بـ"شرعية" عربية، فما حدث يمكن ان يشكل خطوة استباقية لأي نتائج يمكن ان تأتي بها هذه المفاوضات. فالمسار نحو هذه المفاوضات شكل عامل فرز داخل القوى العربية ولكن دون "تصعيد" للخلافات، وهو اليوم يبدو الحل الوحيد بالنسبة للولايات المتحدة كي تضغط بشكل مختلف على المنطقة للتعامل مع "الأزمة العراقية" على الأقل.