اتفاقية تبادل الوقود النووي التي سعت إليها تركيا والبرازيل وتم التوقيع عليها في طهران تنقل صورة مختلفة لمسار سياسي يمكن أن يتطور، فهذا الاتفاق سيبقى مجال ردود فعل غربية مختلفة، ومن المؤكد أنه لن يكون كافيا بالنسبة لواشنطن أو باريس، والمسألة تتعدى هناك مجال "الثقة السياسية" الاعتيادية، لأن الاتفاق جرى خارج إطار "ضمانات كبرى" كان من المفترض أن ترعاها "الدول الكبرى" ذاتها التي تثير مسألة الملف النووي الإيراني.
بالطبع فإن استعجال قراءة ما حدث إعلاميا على الأقل والتحدث عنه وكأنه "تلاعب" إيراني، يجري خارج سياق العمل السياسي، فالبنود التقنية للاتفاق تم تسليمها للوكالة الذرية للطاقة، ولكن الأثر السياسي ربما يبدو خارج المألوف لأنه يتفاعل دون التحدث عن "وسيط أمريكي"، أو "عقوبات دولية" أو حتى "ضربة استباقية" إسرائيلية، فالاتفاق على ما يبدو جرى:
خارج المصطلح السياسي الخاص بإيران، وسواء تم تطبيق بنوده أو ظهرت مسارات سياسية جديدة فإن الموضوع مرتبط بحدوث هذا الاتفاق دون الحاجة للوجه السياسي الاعتيادي، أو للمواقف التي تحمل على ما يبدو مصطلحات تحدد المسافة مع طهران، وهو أمر يزعج إلى حد ما أي إدارة سياسية تجد نفسها غير قادرة على التصرف بشكل مباشر، أو حتى استخدام تقاليد النظام السياسي في ممارسة الضغوط أو تصفية الحسابات.
هو أيضا خارج المصطلح السياسي الشرق أوسطي، فعملية التبادل حدثت دون "الربط الضروري" على ما يبدو بين "أمن إسرائيل" وما يحدث في طهران، وهو أمر مناقض على الأقل لما يحدث في "هرتسيليا" من محاكاة لحرب محتملة مع المثلث الشهير (إيران، سوريا، حزب الله)، فأمن المنطقة يظهر لأول مرة وفق اتفاق لا تحوي مدلولاته السياسية ارتباطا مع "أمن إسرائيل".
الاتفاق يقدم إضافة جديدة للتجربة الإقليمية، ويجسد مصلحة إقليمية واضحة في استيعاب التوتر الدولي الذي يمكن أن ينعكس سريعا على الشرق الأوسط، والواضح أن مثل هذا الأمر يمكن أن يعزز توازنا مختلفا للشرق الأوسط، دون الحاجة لاحتلال العراق، رغم قدرة الدول الكبرى على التدخل أو تعطيل ما يحدث، لكن الواضح هو توفر إرادة سياسية مختلفة نتيجة ما حدث في تجربة احتلال العراق.
الاتفاق يحمل معه كل الاحتمالات التي تناولها الإعلام وعلى الأخص الردود الأولى التي شككت في جدواه، لكن المسألة لم تعد مرتبطة فقط بـ"الصفقات السياسية"، بل أيضا بالتعامل مع الشرق الأوسط ضمن حدود جديدة من استيعاب المصلحة، فهو في النهاية قدم تصورا جديدا لا يمكن الابتعاد عنه أو الاكتفاء بالمقاييس الدولية في تصنيف الشرق الأوسط وفق أزماته، أو حسب رؤية الدول العظمى في التعامل مع مصالحها.