لمن لا يعرف الاسم فهو لمناورات عسكرية "إسرائيلية" بدأت اليوم، لكن المسألة ليست فقط حدثا عسكريا يمكن أن يبحث في إطار "التجارب الإسرائيلية" لتكريس مفاهيمها تجاه الأمن، فعند الحديث عن "مئات" من الصواريخ التي تهطل اتجاه "إسرائيل" وهو موضوع المناورات فإننا نقف أمام مسألة احتمالات التصعيد "النفسي" على الأقل، فـ"الصواريخ" هي في النهاية أصبحت عنوانا لمجموعة من القضايا السياسية الخاصة بـ"إسرائيل".
عمليا فإن المناورات الخاصة بـ"إسرائيل" لا يمكن قراءتها فقط في إطار التجربة أو الخبرة المكتسبة لجيش الاحتلال، فمسألة التفوق تقف اليوم أمام إشارات استفهام لا يمكن حلها بقضايا العتاد المتطور، أو حتى باكتساب المرونة على القتال كما كانت تفعل "إسرائيل" دائما، فهناك عتبة تم تجاوزها في مسألة القوة وأصبح من الصعب إعادة الاعتبار لمسألة التفوق دون إضافة الكثير من العوامل إليها.
منذ عامين ومسألة المناورات تكتسب طابعا "اجتماعيا" إن صح التعبير بالنسبة لـ"إسرائيل"، فهي تسعى لإقحام حركة سكانية ضمنها سواء من خلال مسألة أقنعة الغاز أو حتى مسألة الدفاع المدني، والموضوع يصبح في النهاية اختبارا لـ"القدرات المدنية" في مواجهة المخاطر، ووسط هذا العمل يبدو الإعلام معنيا بما يحدث ليس من أجل موضوع التعبئة بل أيضا لإيصال مجموعة من الرسائل الخاصة تذكر بأن "الصواريخ" لم تعد قضية عسكرية تخص "أمن إسرائيل"، بل هي أيضا "مسؤولية دولية"، وأن "إسرائيل" ستبقى مهددة طالما أنها غير قادرة على ردع "حركة الصواريخ" التي لم تنطلق إلا في زمن خاص ووفق عمل عسكري بادر هي نفسها للبدء به.
من جانب آخر فإن توقيت المناورات يدعم البيئة السياسية القائمة على "تكريس المخاطر"، فالموضوع الرئيس هنا يضم حزمتين من العمال:
الأول جعل الأعمال العسكرية جزءا من جهد دبلوماسي يتم من خلاله تدعيم التعامل بشدة مع المناطق الجغرافية المفترضة لانطلاق الصواريخ (سورية، لبنان، قطاع غزة)، حيث نشهد داخل أروقة السياسة الأمريكية حثا متواصلا من الجانب العسكري لمعالجة هذا الموضوع.
الثاني تكريس القلق السياسي الذي افتتحته "إسرائيل" من خلال إثارة مسألة "السكود" التي بدت وكأنها المفتاح الأساسي لإعادة صياغة أو ترتيب الأولويات الدولية سواء تجاه دمشق، أو نحو مجمل العلاقات الإقليمية.
وعندما تأتي المناورات فإنها تنقل حالة استثنائية بالنسبة لـ"إسرائيل" فتعيد أجواء القلق من جديد وتجعل المهام الدبلوماسية منصبة نحو نقطة واحدة يرتكز عليها الجهد اليوم: خفض التوتر، دون السؤال هل التوتر بالفعل موجود أم انه حالة لا بد منها في سياق "السياسة الإسرائيلية"؟
المناورات الحالية تدعم بيئة قلقة ومرتجة وحتى غير قادرة على تجمل جهود دبلوماسية خارجة عن إطار التفكير الإسرائيلي، فنحن أمام عامل سياسي تحمله المناورات وتنقله بشكل سريع إلى كل القنوات السياسية، فإذا كانت تلك المناورات تحمل جانبا عسكريا أساسيا، لكنها في مظهرها السياسي ترتكز إلى تكريس بيئة التوتر رغم كل الجهود الدولية تجاه الشرق الأوسط.