الجدل لبناني.... وهناك على ما يبدو أكثر من مسألة "البحث" عن المياه الإقليمية، أو الصراع على موضوع التنقيب الذي بدأت تظهر خطوط له تعود لسنوات ماضية، فهل يمكن أن يبقى "موضوع الغاز" مجرد حديث للصحافة أو للشد والجذب داخل التيارات السياسية اللبنانية؟!
ولا يبدو الموضوع استباقيا لأن ظهور نقطة صراع إضافية يحمل معه أيضا عوامل ستدخل في عمق الجيوستراتيجية في شرقي المتوسط الذي سينتقل لمرحلة البحث عن "المياه" الإقليمية ببعدها الجديد، فالعلاقات الإقليمية التي بدأت تشهد تحولا من الجانب التركي تجاه الجنوب (سورية و "إسرائيل" تحديدا) ستتكرس وفق التطورات باتجاه محورين:
الأول يتعلق بمسائل نقل الغاز علما أن هناك مشروع الخط العربي الذي يصل نحو تركيا من مصر، فالغاز الجديد ربما سيفرض وفق شروط معينة حالة مختلفة لعمليات النقل، وتبدل في نوعية العلاقات وربما الاتفاقيات هذا في حال دخلت "إسرائيل" في "النظام الشرق أوسطي" وهو أمر مازال بعيدا، لكن جدية مسألة الغاز ربما ستفرض تدخلا دوليا أكبر، فالاهتمام في الصراع الشرق أوسطي سيحتل مساحة مختلفة من قبل الاستراتيجيات الدولية تفرضه قضية نقل الطاقة للأسواق العالمية.
الثاني مرتبط بالاستثمار فنحن أمام دولتين هما لبنان و "إسرائيل" يعتمدان على المساعدات في خلق اقتصاديات مختلفة نوعيا بينهما، ودخول الطاقة سيبدل توجهاتهما وبالتالي تطلعاتهما الإقليمية، هذا مع افتراض أن كميات الغاز المكتشفة (حسب التقديرات الإسرائيلية) تحمل جدوى اقتصادية.
الأمر الوحيد المؤكد أن بيئة استراتيجية هي في طور التشكل، وهي تحمل إمكانية النزاع وفق الظرف الحالي، على الأخص أن هذا الحديث يمكن أن يشكل حيوية إضافية باتجاه "شرقي المتوسط" في وقت لا تبدو فيه المعادلة الإقليمية قادرة على استيعاب أي تبدل جديد، فـ"إسرائيل" فتحت عبر تصريحاتها بشأن الغاز مجال لا يتعلق فقط بسيادة الدول على مياهها الإقليمية، بل أيضا تفاوتا في الرؤية تجاه ما ستقدمه الطاقة للأدوار الإقليمية، على الأخص أن التركيز على هذا الموضوع يأتي في ظل اضطراب اقتصادي دولي، وأزمة نتيجة عدم القدرة على التحكم بأزمات الشرق الأوسط وهو ما خلق وجهات نظر جديدة تجاه تصرفات "إسرائيل".
ربما سيكون الأمر بالنسبة لسورية معلقا خلال الفترة القريبة القادمة، لكنه يدفع إلى النظر حول "مجال الصراع القادم" الذي يتحدث عنه البعض بأنه "البحر"، لكنه "بحر" مثل عبر التاريخ نافذة حضارية وتجارية وتواصل وهو اليوم المنفذ الاستراتيجي الأساسي لدول المنطقة كي تستمر في بقائها وارتقائها.