الاسم بذاته عنوان، فعندما نغرق بالتحليل السياسي فإننا في نفس الوقت نقف أمام ذلك الخطاب القديم الذي تصدى له نصر حامد أو زيد، فهو والخطاب التراثي قصة محيرة، وهو أيضا يعرف أن "التحرر" من هذا الخطاب يحتاج لجعله مباحا وموجودا على مساحة النقد والتفكير، فمن التفكير في مواجهة التكفير تبدأ الرحلة الطويلة، ليس في "نقد الخطاب الديني" بل "السياسي" و "الثقافي" وحتى "المعرفي".
ربما يبدو بأن البداية لنصر حامد أبو زيد من الثقافة والفن، ومن الشعر الشعبي ومن قراءاته المتنقلة على مساحة "الأزمة"، لأن هذه "الأزمة" لم تكون يوما سوى ظاهرة تطال كل شيء ابتداء من "القيم" وانتهاء بـ"الصرامة الفكرية" التي منعت "الإيديولوجيات" الحديثة من مناقشة مقدماتها الأساسية، فهل يمكن أن نفهم "التكفير" الذي طال أبو زيد بعيدا عن الواقع السياسي، أو حتى التفكير السياسي؟! بالطبع فإن الموضوع يبدو ضروريا في لحظة رحيل "أبو زيد" لأننا نعرف أن "التشكيك" يبدو مقدمة أساسية لأي بحث قادم لا يريد أن يقع في متاهة التكرار أو "الجزم" أو "المطلقات" التي يتباهى بها الكثير من "أعلام التراث".
عمليا فإن "الملامح الدرامية" لحياة نصر حامد أبو زيد ستجعله في مساحات مختلفة، فهو يبدو كمفكر تنويري أو حداثي، ولكن في نفس الوقت فإن الصور يمكن إسقاطها على "السياسي" لمناقشة ما كان يعتبره الكثيرون "رؤية" قادتهم لمساحة التفكير الجديدة فتحدثوا عن "القومية" و "التحرر"، وكان واضحا أننا نقف على نقطة تحول في التفكير لكنها لم تقم على مساحة النقد والقراءة، بل ظهرت بحكم التصادم مع الماضي، فهل يمكن أن نفهم الخطاب السياسي دون "التراث"؟ هذه هي المعضلة التي يمكن أن نراها بوضوح عندما يبدأ زمن التفكير على طريقة نصر حامد أبو زيد، فنستطيع على الأقل تجاوز التكرار الممل لخطاب سياسي يحمل المسلمات على نفس طريقة اعتماد الدين للفقهاء كنهاية للتاريخ وللتفكير البشري.
للتذكير فقط وليس للتأبين يبدو نصر حامد أبو زيد صورة أخرى من الممكن أن تبقى حاضرة حتى في إيقاع الحياة اليومية، حيث لا يوجد "خطأ" أو "صواب" بل "تفكير ونقد" وعلوم إنسانية قادرة على دفعنا نحو البحث لتوسيع قاعدتنا المعرفية حتى في آليات السياسة التي نشعر اليوم أنها محشورة في زاوية ما هو رسمي.
هل حقا فتح "أبو زيد" نوافذ أكثر مما نتوقع؟! السؤال في النهاية برسم "عمليات التفكير" التي يجب أن تبقى مستمرة بدلا من أن تصبح أسيرة "المواقف" السياسية أو "الشرعية"، أو تتجمد عن "المرجعيات المعرفية" سواء في "الأزهر" أو أروقة الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي. فبمجرد التفكير يمكن أن يجعلنا أكثر قدرة على الحركة، وبالطبع فعلينا توقع "مساحة درامية" تشبه التبدل والتحول وحتى المصير الذي جابهه نصر حامد أبو زيد، ولكن على الأقل فإننا نعيش مساحتنا الفكرية والسياسية دون خوف من أن نتحول إلى "طيف تراثي".