فكرة المطار رغم أنها "بوابة" لكنها على ما يبدو بعيدة نوعا ما عن ثقافة لا يمكن إبعادها عن السياسة، رغم أنها اليوم لا علاقة لها بأي آلية سياسية بل أصبحت نوعا من الأمر الواقع، وكثيرا ما سألت نفسي لماذا عبور الحدود برا يختلف عن عبورها جوا؟ وهل "المطار" يختلف عن نقاط الحدود البرية؟

كنت أفشل في تفسير ما يحدث بعد أي تجربة في الدخول إلى دولة شرق أوسطية من خلال الحدود، وكنت في نفس الوقت أشعر بأن الحدود الثقافية هي التي تعربش علي وليس مجرد موظفو الجمارك أو قوات حرس الحدود أو حتى العاملون في الهجرة والجوازات، لكن التفسير الكامل يصعب وضعه على خريطة واحدة سواء في منطقتنا أ و في العالم، فالعبور إلى الولايات المتحدة من الشمال أسهل بكثير من دخولها عبر الحدود المكسيكية، لكن الأمر عندنا يبدو مختلفا بكل المقاييس، فأنت تدخل منطقة غريبة مليئة بالاحتمالات وبتراكم السنين التي بدأت منذ نهاية المرحلة العثمانية عندما ظهرت تلك النقاط، وأصبحت نوعا من الإضافة على حركة الناس الذين اعتادوا سابقا التجول دون أن يشعروا للحظة أنهم يعبرون إلى منطقة جديدة.

في المطارات الأمر مختلف دون أن يعني أن هناك تساهلا في إجراءات الأمن، لكن المسافر نادرا ما يشعر بأنه محاط بـ"الشكوك"، أو أنه مضطر لانتظار إجراءات تطول أو تقصر وذلك حسب الظروف المحيطة بنقطة العبور، فالنظرة إلى مسافر الطائرة على ما يبدو مختلفة، وربما يخضع المسافرين دائما إلى حالة من التقسيم الاجتماعي، على الأخص أن المغادرين برا هم فئة مختلفة، وهم أيضا يستخدمون "جغرافية التقسيم" أو ربما يذكرون العاملين على الحدود بأن هناك زمن مختلف اليوم أصبحت فيه العولمة خاصة بالمطارات وليس بالسفر برا أو بالانتقال عبر نقاط خاصة تتكدس فيها الشاحنات أحيانا، أو ينتظر فيها المسافرون زمنا كي تنتهي إجراءات دخولهم.

أكثر ما يزعج في هذه الحالة "الاعتياد" على ثقافة الحدود، فالكل يعرف أنه سيقف وينتظر، وهم أيضا لا يشعرون بأن ما يحدث هو أمر لا يتناسب مع عالم أصبح متغيرا وأصبح فيه الأمر والسلامة لا ترتبط بالانتظار أو التدقيق في شكل المسافرين، لكن الحدود بقيت تحمل ثقافتنا أو تشكل حالة مستقلة بذاتها وتسجل للجميع صورة غريبة عن واقع لا نستطيع إلا أن نقف أمامه ونتذكر أبيات لنزار قباني:

أتجول في الوطن العربي وليس معي إلا دفتر...

يرميني العسكر للعسكر...

يرسلني المخفر للمخفر...

وأمامي ارتفعت لافتة تتحدث عن وطن واحد...

تتحدث عن شعب واحد... وانا كالجرذ هنا قاعد......