"الطيف"... رفيق لا يمكن التخلص منه، ولا يمكنني أن أتحرر من صورتي دون الغرق به، لكنني أستصعب وصفه لأنه "طيف" في النهاية يتجاوز الزمان والمكان، ثم يعشش على مساحة حريتي أو يكتب على وجهي كلمات لا أستطيع فك رموزها، فهو سراب لكنه يشكل اللون الذي نريده، سواء كنا قادرين أن نعيد رسم وجهنا على الحياة أم فشلنا.
"طيف" من الماضي أو الحاضر، فعندما نصبح أطفالا أو مراهقين في ذروة النضوج، يظهر هذا الطيف الغريب ربما ليحرمنا متعة كوننا بشر، أو خاضعين لاحتمالات الحياة وللسير بها حيثما نشاء، ومتعة الجنون حتى في السنوات التي يبدو فيها العمر خريفا دائما، فينتابنا، أو ينتابني، رغبة الانغماس أكثر في الحياة واستغلال اللحظات التي طارت سابقا بحجة العرف الاجتماعي، فإذا تألقت المراهقة من جديد فلأننا نتعلم الدهشة في الحياة كل يوم، وإذا استطالت اللحظات فسندرك بعدها أننا أسرى ذلك "الطيف" الذي يحاصرنا في كل لحظات الحياة.
هل أستطيع وصفه أم سأكتفي بتداعٍ يقودني للمعرفة خارجه، دون أن أجعل ذلك العقل منشدا لما هو معروف أو سائد، أو أجذب القلب والجسد بعيدا عن التحليلات والدراسات والهواجس الجنسية التي تطارد رجال العفة، هي مجرد معرفة للصورة الدائمة لنا، وللتفاصيل المكتوبة على الجسد رغم أنها لا تشكل أي جزء من تضاريسه، فهي تأثير "الطيف" الغريب الذي يجعل الزمن نقطة واحدة، والكون رمزا لا يمكن الانفكاك منه، لكنه يبدأ بالتلاشي عند خفقة عشق أو رعشة جنس.
في لحظة خوف نعود للتحصن بها... وفي الدقائق المريرة نعود للزمن القبلي أو لأطياف لم تعد موجودة ثم تبدو مثل أقنعة جاهزة للاستخدام، نزين بها اللحظات لكنها تبقى زيفا مبتسرا أو مختصرا، لأننا سنجهد أنفسنا بالإبقاء على ذلك الخوف أو "الافتراض" الذي نضع أنفسنا به.
لماذا يظهر "الطيف" اليوم... لماذا نريد وصفا دقيقا لهذا الهاجس الدائم حولنا.. ولماذا الرغبة في الغرق داخل التداعيات التي تقودنا إلى شواطئ جديدة... ليست أسئلة يمكن أن نعبر عبرها بشكل اعتيادي، لأننا لا نحاول الانتفاض على الماضي أو الحاضر، بل على الشكل الذي نحمله معنا دائما ولا ندري هل هو حقيقة أم وهم، وهل حياتنا ستبقى على مساحة السكون الذي استسلمنا له أم أننا قادرون على التداخل من جديد في مساحة خضراء وزرقاء.....
طيف لصورتنا النمطية التي اقتنعنا بها، ثم أرهقتنا فنغرق بشكل سريع داخل الصحراء التي تظلل كل شيء ثم نعجز عن إزاحتها فنغرق في وهم النصر أو العشق أو اللذة...