فتحت الولايات المتحدة "مرحلة" شرق أوسطية بكل المعايير، فمهما اختلفنا على النتائج لكن هناك حدثين مترافقين الأول في العراق والثاني في فلسطين، لكن السؤال يبقى عن بوابة الحل، فالمرحلة الجديدة هي نقطة وصل إن صح التعبير مع ما انتهى إليه التفاوض في أوسلو، مع التذكير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي كان في النصف الثاني من العقد الماضي مسؤولا عن نتائج "أوسلو".
لكن مجرد افتراض أن "أوسلو" قابلة للاستمرار بنفس المقاييس السابقة هو نوع من "التهويم" السياسي، فالإدارة الأمريكية الحالية تضع حاليا ثقلا سياسيا مختلفا في الأهداف، وربما في المهام التي يمكن أن توكل للاعبين في المنطقة والمرتبطين بخط التسوية، وربما علينا وضع رسم شرق أوسطي تبدو فيه الصورة وفق ثلاث دوائر:
الأولى هي الأوسع حيث تخوض الولايات المتحدة حروبا على جبهات هشة في أفغانستان وباكستان، وهي حروب تبدو طويلة الأمد وتحتاج إلى صياغة العمق الشرق أوسطي حتى تستطيع تنفيذ المهام، ورغم أن الأزمة السياسية في العراق تعتبر نقطة تعثر لكنها بنفس الوقت هي مجال تجميع لدول الجوار، وفي هذا المجال تحديدا يتم البحث في طبيعة الأدوار المستقبلية، ويشكل أيضا حركة دبلوماسية أمريكية تنشط في تجميع خيوط الأزمات من جديد حتى ولو كانت متباعدة، فيظهر الحديث عن توافقات سورية - أمريكية، أو حتى إيرانية أمريكية بشأن العراق، لكن هذا الأمر هو مجرد "بحث" سياسي إن صح التعبير.
الثانية دائرة ضيقة تحيط بـ"إسرائيل" وهي لا تتقاطع مع الجبهة الشرقية في أفغانستان إلا من زاوية محاولة عزلها أو تحييدها، أو ما يطلق عليه إعلاميا "التهدئة"، والواضح أن هذه المسألة ستؤثر في طبيعة الأدوار التي يمكن أن تتشكل وعلى الأخص بالنسبة لمصر والسعودية. فالمفاوضات المباشرة يتم عبرها تجميع القوى ثم التعامل معها على أساس رسم "التجاذب" الخاص بالصراع العربي - الإسرائيلي.
الثالث هو دائرة لها علاقة بالخليج أو بأزمة الملف النووي الإيراني، وهي تكبر لتضم سورية ولبنان أيضا ولكن من زاوية الانتقال باتجاه التهدئة، فالولايات المتحدة تري أن المسارات التفاوضية ستبعد بشكل تلقائي دمشق عن طهران، كما أن التعامل مع الملف العراقي سيظهر أيضا تناقضا ما بين سورية وإيران، وإلى أي مدى هذه الصورة صحيحة؟! لا يمكن وضع جواب محدد بالنسبة للولايات المتحدة، لكن المسار السياسي يؤشر على أن واشنطن تدخل بقوة على مسألة التسوية، وهو ما أوضحته زيارة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط فريديريك هوف إلى دمشق.
المفاوضات هي العنوان الوحيد الذي تستخدمه واشنطن اليوم لترتيب الأوراق من جديد، لأنها ترسم خطوط التواصل ما بين الدوائر السابقة، وربما تساعد على تجميع خيوط الأزمات من جديد، وهي تجميع يسعى إلى رسم "توافق" على "الآلية السياسية" حتى ولو كانت بدون نتائج، لأن نتائجها الحالية تظهر في العراق وربما في لبنان أيضا.