بغض النظر عن بعض التقارير أو التسريبات حول ما جرى في قمة "سرت"، لكن موضوع الجولان وجبهته العسكرية تبدو وكأنها مساحة مفتوحة يمكن استخدامها في عمليات الجدل السياسي، أو التعامل مع موضوع المقاومة ضمن مقياس يجد مجاله الرحب في الحديث عن "فتح" جبهة الجولان، وبالطبع فإن مثل هذا الطرح لا يملك الجدية الحقيقية لأن ما يجري عمليا هو مجابهة أكثر منه تفكير حقيقي في مسألة العمل العسكري انطلاقا من الجولان، لكن مسألة العمل العسكري تستحق قراءة مختلفة تنطلق من موضوع "الجبهات العسكرية" التي يتم الحديث عنها من نقطة واحدة هي الجولان.

عمليا فإن جبهة الجولان كانت آخر جبهة عسكرية كلاسيكية تم تجميدها بعد حرب عام 1973، لكن واقعها العسكري لم يتحول بفعل اتفاقيات سياسية، فما حدث على هذه الجبهة لا يتعدى مسألة "فك الاشتباك" إن صح التعبير، واتفاقية كان من المفترض أن تكون مرحلية وفق المنطق الأمريكي، وتواجد قوات الفصل حتى اللحظة يعطي مؤشرا أنها مازالت منطقة يصعب التعامل معها لعدم وجود اتفاقيات "تسوية"، والتفاصيل العسكرية ربما تبدو معقدة بعد أن تم رسم خط الانسحاب بشكل لا يمنح أفضلية، ومن جهة أخرى كان من المفترض أن يؤمن هذا الخط عدم إمكانية التماس المباشر حتى التوصل إلى "اتفاقيات إضافية" وفق التوجه الذي تعامل معه وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر.

ما حدث في الجولان كان معاكسا لآلية أخرى تسارعت في جنوب فلسطين على الحدود المصرية - الإسرائيلية، وبغض النظر عن طبيعة الاتفاقيات التي تمت في كامب ديفيد، لكن بالنسبة لموقع الجولان عسكريا فإنه تأثر وفق خطين:

الأول هو عملية الربط العسكري بين الجبهتين، وهو موضوع ظهر بوضوح منذ حرب عام 1967، حيث بات واضحا أن أي حرب مستقبلية لا يمكنها أن تتعامل مع جبهة واحدة، وذلك للحد من اختلال الميزان العسكري الذي يميل دائما باتجاه "إسرائيل"، وجرى تهيئة الجبهتين بشكل متزامن تقريبا قبل حرب عام 1973.

الثاني خلق جبهة توازي الجولان من خلال الحرب في لبنان التي شكلت مفصلا سياسيا بالنسبة لدمشق، وأحيانا يتم التداول بنوع من الجدل البيزنطي حول مسألة التدخل السوري في لبنان، وهل تم بطلب من "الشرعية" اللبنانية أم لا! ولكن السؤال الأساسي هل كانت سورية تملك خيارا غير التدخل العسكري؟ وهل تستطيع اعتبار لبنان ساحة مفتوحة بالنسبة لها؟ من الناحية العسكرية غدت لبنان جبهة إضافية وتمت مواجهات عسكرية على أراضيها مع الجيش الإسرائيلي، وكانت أجواؤها مجالا لمعارك جوية، لكن في النهاية أصبحت نقطة التماس العسكري لكنها لم تشكل بديلا عن الجولان بل مرحلة في رؤية التحول من "الجبهات الكلاسيكية" إلى خطوط تماس متنقلة بشكل دائم.

ربما تبدو الرؤية السياسية أكثر تعقيدا من مجرد الحديث عن الخطوط العامة للواقع العسكري بعد حرب عام 1973، لكن في النهاية فإن تغير المعادلة العسكرية فرض واقعا مختلفا ليس على الجولان بل أيضا على الساحة الإقليمية... وللبحث بقية...