هل سقط رهان إبعاد دمشق عن طهران؟ السؤال بذاته يحمل نوعا من المفارقة في ظل التصريحات الأمريكية ضد البلدين، لكن الموضوع يمكن قراءته من مساحة مختلفة، لأن مجمل القضايا المرتبطة بين العاصمتين تملك حيوية يمكن عبرها النفاذ إلى آليات تصعيد، وهو الخيار الذي يبقى مستبعدا لكنه موجود في طبيعة المعارك السياسية التي تخوضها الإدارة الأمريكية داخل المنطقة، حتى ولو ظهر الأمر على أنه موقف من الدولتين (سورية وإيران).
عمليا فإن التصعيد الأمريكي الحالي هو "النموذج" المكرر، لأنه يبدأ في لبنان ليشكل انقساما إقليميا يحد من الخيارات السورية، والموقف المصري الحالي لا ينفصل عن مجمل هذا النموذج، لكن السؤال هو في جدوى زج مصر داخل هذا الصراع، علما أن "التوافقات" كانت دائما تتجه نحو دمشق والرياض، وموقف القاهرة من المحكمة الدولية يشكل نقطة الارتكاز بالنسبة للإدارة الأمريكية داخل النظام العربي، فالدور الإقليمي المرتقب لمصر يبدو في "ضغط الأزمات"، علما أنه من الصعب أن تتعامل بشكل أوسع معها نتيجة ظروفها الحالية وعلى الأخص في ظل بوادر انفجار في مسألة السودان.
بالطبع فإن الإدارة الأمريكية ستدخل في مرحلة صعبة خلال الأيام القليلة القادمة، على الأخص إذا صحت التوقعات بشأن الانتخابات التشريعية النصفية التي ستفقدها من أغلبيتها، وهو ما سيدفعها نحو "إسقاط" بعضا من "آلياتها السياسية الناعمة" التي اعتمدتها خلال العامين القادمين، وهذا لا يفسر التصعيد الأمريكي الحالي لسورية، بل يقدم أيضا مؤشرين على مستقبل العلاقات سواء مع طهران أو دمشق:
 الأول هو قيام الإدارة الأمريكية بوضع دمشق كنقطة فصل ما بين النظام العربي والنظام الإقليمي نتيجة علاقتها مع طهران، فهي تسعى إلى تعطيل الحركة السياسة من خلال الخيارات التي تجد سورية أن عليها مواجهتها، وما يظهر من الموقف المصري يبين أن "النظام العربي" غير قادر على اتخاذ أي تحرك نتيجة التدخلات الإيرانية! أو انه يعتبرها على الأقل مولدا للأزمات، ثم يتهم سوريا بأنها تحمل "الأوهام" نتيجة تحالفها مع إيران، وبغض النظر عن المنطق الداخلي لهذا التفكير لكنه يدخل المنطقة في احتكاك وحساسيات، فالولايات المتحدة لا تحتاج في كثير من الأحيان لخوض معركة مباشرة مع دمشق أو طهران طالما أن الأمر يمكن أن يظهر مباشرة من داخل النظام العربي.
 الثاني هو الصورة القادمة لعلاقة طهران مع دول شرقي المتوسط، فالنموذج الإيراني - السوري، ويمكن إضافة تركية أيضا، قد يمثل حلولا للتعامل مع الأزمات أو استيعابها، لكنه لا يستطيع "التعويض" عن "الأدوار العربية" بشكلها التقليدي، وبالطبع فإن هذا الأمر ليس حقيقة مطلقة لكنه يمثل بالنسبة للعاصمتين "حلا" مختلفا في مواجهة "حلول" أخرى لا تبحث سوى عن "إسرائيل" ودورها أو أمنها أو بقائها.
الرهان الأمريكي سيبقى مستمرا، ليس لأن علاقة دمشق وطهران يمكن أن تحكم المنطقة، ولكن لأنها تخرج عن قواعد اللعبة الشرق أوسطية التي غالبا ما تصب في "إسرائيل".