الكاتب : ميليا عيدموني

المشهد الأول: أي امرأة سورية هي عرضة للخطف والاغتصاب التحرش الجنسي، تتزوج هرباً من سكين تحوم حول رقبتها، أصغر "ذكر" في عائلتها يقرر"غسل عاره" بسكينِ يغرسها في عنقها ليرفع رأس قبيلته و"شرفها".

المشهد الثاني29-10-2009: يوم حزين قررت ومازالت تقرر المحكمة أن كل قاتل يرتكب جرمه تحت ذريعة "الشرف" هو بطل في عيونها وعيون "مجتمعه".
ليست هذه بلقطات من مسلسل زمن العار، هو الواقع الذي تعايشه النساء في سورية في ظل قانون عقوبات يسهّل على الذكر جريمة قتل الأنثى خوفاً على "شرفه" و"غسلاً" لعاره.

تقدر عدد الجرائم المرتكبة تحت ذريعة "الشرف"أو "غسل العار" مابين 200 -300 جريمة سنوياً، ووصل عددها العام الماضي وباعتراف رسمي من الحكومة إلى 57 جريمة مما جعل سورية تتربع وبجدارة عرش قائمة "غاسلي العار".
وبعيداً عن الكليشهات حول التسمية، هل نطلق عليها جرائم "الشرف" أو "لا شرف" "غسل العار" الكل اتفق على أنها في النهاية جريمة قتل لا بد من التعامل معها بحسب قانون العقوبات ومن دون العذر المخفف.

ضحية وشريكة الثقافة الذكورية

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض المقالات الصحفية التي توجه التهام للمرأة على أساس أنها شريكة ومسببة للجريمة،الأمر الذي أيدته الناشطة الاجتماعية ثناء السبعة "نعم المرأة (أم الضحية) شريكة في هذه الجريمة لإنها عملت على تحريض الذكر للقتل، وهنا تكون العقلية الذكورية هي الدافع للقتل بغض النظر عن حامل هذه العقلية كان ذكرا أو أنثى. المدون السوري حسين غرير اتفق مع السبعة بالرأي قائلاً "نحن أمام ثقافة ذكورية/سلطوية ترى في المرأة خطيئة وتبحث عن أي مبرر لإلقاء اللوم عليها، لكن من المخجل جداً جعل الضحية في موقع الاتهام، ولكن للأسف هذا هو الواقع الذي يجب أن نفهمه جيداً كي نستطيع التعامل معه وتغييره. موجهاً اللوم إلى الدور السلبي الذي تؤديه بعض وسائل الإعلام لجهة تجريم المرأة، موضحاً أن بعض التقارير الصحفية عن جرائم "العار" كما يفضل تسميتها "تختتم التقرير بمقطع يقول وقد أثبت تقرير الطبيب الشرعي أنها كانت عذراء/غير عذرا، وكأنهم يريدون القول بقصد أو غير قصد أن العذرية شرط للتعاطف مع الضحية".أما بسام القاضي مشرف مرصد نساء سورية رفض تحميل المرأة الضحية المسؤولية عن الجريمة مؤكداً أنه و من خلال جهود جميع الشركاء في مجال الدفاع عن حقوق المرأة السورية تم تثبيت هذه الفكرة من خلال إقرار قانون الاتجار بالبشر. معتبراً أن مثل هذا الحديث ما هو إلاّ تبرير"قذر" للجريمة وللقاتل، محملاً الحكومة السورية ورجال الدين المدافعين عن المنطق الذكوري مسؤولية الجرائم التي ارتكبت وترتكب باسم "الشرف"، موجهاً إلى كل نساء سورية الدعوة إلى التسلح بكافة الوسائل الممكنة للدفاع عن أنفسهن في حال استمر العمل بمواد العار192، 548(المرسوم 38 لعام 2009) قائلاً "نحن بدولة اسمها الجمهورية العربية السورية تضم 24 مليون مواطن/ة وننتمي إليها قبل أي انتماء آخر إذا لم تكن ترغب بحماية حقي وحق غيري بالحياة وتريد منح حق القتل للأفراد لنا حديث آخر".

المركز الأول بالعار

اليوم الذكرى الأولى لاغتيال زهرة العزو مرتين باسم "الشرف"، الأولى على يد شقيقها،والثانية بقانون يفتح الباب أمام جرائم لن تتنه. وبهذه المناسبة الحزينة اطلق مرصد نساء سورية حملة 29 تشرين الأول يوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، هذه الحملة وبحسب القاضي هي استمرار لحملة المرصد المناهضة لجرائم الشرف التي بدأها في العام 2005 وهي مفتوحة تعمل بثلاثة أهداف محددة الأول تغيير مواد العار في القانون، الثاني تغيير آلية العمل في المؤسسة القضائية وأقسام الشرطة والهدف الأخير العمل على تغيير الوعي المجتمعي بالقضية؛ وعن إطلاق يوم 29 يقول مشرف مرصد نساء سورية "هو محطة من محطات الحملة وليس عملاً مستقلاً ونسعى لتثبيته عن طريق الأمم المتحدة للتضامن مع الضحايا حول العالم". وبهذه الطريقة يبقى الضوء مسلطاً على قضية تم ربطها واعتبارها مشكلة إسلامية ويضيف "أثبتنا خلال عملنا أنها ليست إسلامية هي اجتماعية بالكامل وكل الطوائف والأديان تقتل بنفس الطريقة مستغلة القانون ولابد من رفع العمل من المستوى المحلي إلى العالمي كونها بالأساس مشكلة ثقافة ذكورية.
وعن ارتباط تاريخ الحملة بجريمة قتل زهرة العزو، يقول القاضي:هو نوع من تسليط الضوء على عارنا السوري الخاص لأن القضية تم توصيفها بحسب قاضي التحقيق وقاضي الإحالة على أنها جريمة قتل عمد وخرج القاتل بالبراءة،وفي هذه القضية حالة نموذجية للثقافة الذكورية، بعد أن تم البرهان أن زهرة تعرضت للاختطاف.
وتتصدر سورية مكانة متقدمة بين بلدان العالم بالنسبة لعدد الجرائم المرتكبة باسم "الشرف" وخاصة في الريف السوري ومناطق الجزيرة، وفي المراتب الأخيرة تقريباً بالمواضيع المتعلقة بالمساواة بين الجنسيين.

تعديل قانون أم مجتمع؟

تصاعدت في الآونة الأخيرة الأنباء عن ضغوط تتعرض لها الحكومة السورية من بعض التيارات الدينية المتشددة،لوقف جهود الجمعيات الأهلية المطالبة بإلغاء مواد "العار" من قانون العقوبات،وتؤكد السبعة في حديثها لـ سورية الغد "أن العمل مستمر كل يوم من أجل مستقبل خال من العنف والتميز, وإذا كانت الحكومة تريد أن مراعاة دعاة العنف فهذا يعني في نظري أن الحكومة تؤيد قتل النساء في سورية".مشددة على أن إلغاء هذه المواد لم يعد يحتمل التأجيل ولا بد من فلتره القوانين السورية من أي تميز وعنف .

وفي استبيان حول جرائم "الشرف" وضعه غرير على مدونته، جاءت النتائج مؤيدة لإمكانية حصول تغيير بالقانون ولكنها ليست على المدى المنظور، الأمر الذي أرجعه الناشط الشاب إلى عجز الحكومة ولأسباب غير موضوعية عن إحداث التغيير الإيجابي المطلوب في هذه القضية، إن كان من ناحية تغيير القوانين أو اتجاهات المجتمع، إضافة إلى أن الضغوط لا تأتي فقط من التيارات الدينية المتشددة بل من بعض المتنفذين أيضاً من رؤساء القبائل وأصحاب الفكر القبلي. مطالباً المجتمع المدني بمزيد من الحراك تجاه هذه القضية.

من دون البطاقة الشخصية لا ملجأ لك!

وفي حال تمكنت المرأة من الظفر بروحها، والهروب من سكين أهلها ومجتمعها الذي لايرحم، فإنها لن تجد مكاناً تلقى فيه الأمان والحماية والراحة، ويقول القاضي "يوجد حالياً ملجآن يقدمان هذه الخدمة، ملجأ راهبات الراعي الصالح وملجأ واحة الأمل، والأخير،مكان بيروقراطي نموذجي، جمع عقول لا تفقه شيء في مواجهة العنف ضد المرأة؛ واضعاً شرطاً أساسياً لاستقبال الفتاة الناجية من جريمة "شرف" حملها الهوية الشخصية ـ عندما تقتلين تذكري أن تكون الهوية معك ـ وأغلق (واحة الإحباط ) كما أطلق عليه القاضي، بابه بوجه ضحيتين خوفاً من تداعيات القضية.

من نساء سورية شكراُ لوسائل الإعلام

يختلف تعامل الإعلام مع جرائم "الشرف" بحسب توجهات كل وسيلة فمنهم يعتبرها سبق صحفي والسلام، ومنهم يعتبرها همه وشغله الشاغل وبين هذا وذاك، يرى القاضي أن الإعلام السوري ومنذ العام 2007 حقق نقلة نوعية فيما يتعلق بقضايا المرأة وتحديداً جرائم "الشرف" والطفولة والإعاقة، وفي ظل قانون مطبوعات وإعلام سيء وتحكم من الحكومة وأصحاب رؤوس أموال وإدارات سيئة جداً، تمكن الإعلام السوري من العمل على تغيير الصورة النمطية في هذا المجال، ووجه القاضي شكراً باسم مرصد نساء سورية لكل الزملاء/ات على جهودهم ضمن هذا السقف المتاح حالياً في الإعلام لخدمة قضية المرأة في سورية وعلى النقلة في الإعلام السوري بكافة أوجهه الرسمي إلى الخاص. أما غرير فوجه همسة في أذن الصحفيين/ات "لا تتعاملوا مع جرائم "العار" على أنها جريمة عادية وتنقبون في تفاصيل من ارتكبها ومن كان السبب المباشر وغير المباشر، بل ابحثوا في الأسباب الحقيقة لهذه الجرائم، هنا يأتي دور الصحفي المميز".

التضامن واقعي وافتراضي

وفي حملة شبابية موازية للجهود الإعلامية في المرصد، قام مجموعة من الشباب/ات الداعمين لإلغاء مواد العار من قانون العقوبات السوري،بإنشاء مجموعة وصفحة متعلقة بحملة التضامن مع ضحايا جرائم "الشرف"على موقع الفيس بوك، كما تم توجيه دعوة إلى المتضامنين/ات مع القضية لإظهار تضامنهم بوضع شعار الحملة مكان صورتهم الشخصية على صفحات الموقع المحجوب في سورية،و شارك في هذه الحملة الافتراضية أيضاً بعض المدونين/ات من سوريا وخارجها.
يشار إلى أن محامي قتلة زهرة رفعوا دعوى قضائية ضد النائب في مجلس الشعب د. محمد حبش، والعديد من الصحفيات/ين والفنانات ممن دافعوا عن زهرة وواجهوا هذه الجرائم، وتعتبر هذه الدعوى بحسب مرصد نساء سورية الأولى من نوعها في القضاء السوري، وهي نوع من الانتقام للفضيحة التي هزت عرشه، ووعد مشرف المرصد بنشر تفاصيل الدعوى وكافة وقائعها أول بأول بكافة الوسائل الممكنة .