مبادرة العاهل السعودي بشأن المصالحة العراقية كانت "الإنذار" الحقيقي لمرحلة لا تبدو أنها ستحمل توافقات منسجمة مع العناوين العريضة لمسائل "المصالحة" أو "التهدئة"، فمشكلة المبادرة أنها انطلقت في الزمن "الضائع" إن صح التعبير، ومع صعوبة المعادلة العراقية لكن توقيت المبادرة لا يمكن فصله عن "الانتخابات النصفية" الأمريكية، والاحتمالات بخسارة الديمقراطيين، أو حتى بالتقارير التي كانت تتحدث عن إمكانية التعامل السياسي للإدارة الأمريكية مع ملفات المنطقة بشكل مختلف.
بالطبع فإن المسألة هي مجرد التعامل مع التوقيت ولكن دون "قلب الطاولة"، فالحديث عن مصالحة عراقية في الرياض يفتح بحد ذاته ملف الحساسيات المختلفة بين نوري المالكي و "السعودية"، وهو أيضا يسلط الدور على "الأدوار الإقليمية الغائبة" وقدرتها على الدخول إلى الملفات، واللافت هنا أن المبادرة السعودية لم تحمل معها نتائج مرتبطة بالتدهور الأمني، بل قدمت مشهدا يمكن قراءته بنقطتين:
الأولى مرتبطة بالعناوين السياسية وحتى باللقاءات التي تتم، سواء في منزل السفير السوري في بيروت، أو حتى عبر الاتصالات الهاتفية وإرسال المبعوثين، فكل هذه التحركات تفتقر إلى "رؤية جديدة"، وهي في جميع الأحوال تستند إلى واقع سياسي "قديم"، وربما دفع هذا الأمر إلى العودة إلى رهانات "العودة إلى الدور الأمريكي" سواء كانت الأطراف المراهنة ضد سياسات واشنطن أو معها.
الثاني صعوبة التواجد على الخط ما بين الرياض وطهران، وهو دور تبدو سورية فيه نقطة التقاء أساسية، الأمر الذي يدفع العملية السياسية للانفتاح على دمشق رغم كل التصريحات الأمريكية، فالمسألة بالنسبة لسورية تظهر في محاولة عدم الرجوع نحو المعادلة السابقة التي خلقت محاور وخلفت نتائج في لبنان وفي العراق. فمبادرة العاهل السعودي أعادت كشف الأوراق من جديد، رغم أنها ابتعدت في التصريحات اللاحقة وبعد صدور موقف التحالف الكردستاني من اتخاذ مواقف جديدة.
بالنسبة لطهران فإن العامين القادمين من فترة الرئاسة الأمريكية لن يشكلا أي "تهدئة"، وفي نفس الوقت فإن الضغوط عليها ستكون عبر إسقاط أوراقها الإقليمية في لبنان والعراق وحتى في محاولة إبعادها عن سورية، لكنها حتى اللحظة لا تضع نفسها بديلا لدور سعودي، فهذا الأمر لا يخدم اوراقها داخل "المنطقة العربية" إن صح التعبير، ومشكلتها الأساسية كما تظهر في التصريحات على الأقل هي في تحجيم "العامل الإسرائيلي"، في وقت لا تبدو بعض الأطراف العربية متحمسة لمثل هذا التحجيم، فهو يعيد ترتيب الأدوار ويبدو في بعض الأحيان مستحيلا مع دول وقعت اتفاقيات أو أطلقت مبادرات أو حتى رسم "إستراتجيات" مبنية على التفاوض.
هناك من يبجث في "النيات السياسية" لكن مثل هذه القراءة لا تصل بنا إلى واقع سياسي، فهناك مصالح متلاقية اليوم سواء مع طهران أو الرياض أو دمشق أو القاهرة، لكن في النهاية فإن رؤية المنطقة على أساس قوة أو ضعف العامل الأمريكي هي نقطة ارتكاز للبعض وهو أمر يبدو خطيرا لأنه يؤجل الملفات بشكل دائم.