عناوين عديدة تحملها مسألة "المحكمة الدولية"، لكنها في النهاية تتشكل حول نوعية خاصة من الصراع في المنطقة، فقواعد اللعبة السياسية ربما تبدلت منذ عام 2006 حيث بدت المواجهة المباشرة أمرا غير محسوم، وربما يحمل من النتائج ما يقلب المعادلات الداخلية في الشرق الأوسط، بينما تبدو "المحكمة الدولية" كصراع داخلي حتى ولو علمت كافة الأطراف أنها "مسيسة" إلا أنها تشكل مخرجا لمجموعة التحالفات مع الولايات المتحدة.
عمليا فإن مسألة "القرار الظني" تطرح مجموعة سيناريوهات تتلخص في النهاية بمحاولة الحصار السياسي الداخلي بالدرجة الأولى للخيارات السياسية، وربما تحديدها ضمن خط واحد لا يملك عمليا أي معطيات مستقبلية سوى "الضمانات الأمريكية" و "التحكم الإسرائيلي"، فالمحكمة سواء وجهت قرارها الظني ضد حزب الله أو لطرف آخر لكنها تشكل "حملة سياسية" دائمة موجه لطرف معين ولكن الحملة بذاتها بعيدة عن إرادة المنطقة عموما.
هل يمكن فهم المحكمة في هذا الإطار على أنها ساحة المواجهة المستقبلية؟ بالطبع فإن "شكل" المحكمة ليس مهما فهي تغيب إعلاميا وتظهر لكنها تحمل مؤشرين:
الأول وضع الملفات الداخلية في إطار التقييم الدولي، بحيث يصبح التحكم بها صعبا إن لم يكن مستحيلا، وهو أمر تم طرحه خلال الأشهر الماضية عندما تم الحديث عن ان المحكمة لا يمكن إيقافها لأنها ظهرت بقرار دولي، والواضح اليوم أن الاستقطاب السياسي في الشرق الأوسط الذي كان يظهر وفق سياق المشاريع المطروحة، يمكن أن ينتقل اليوم إلى حالة اخرى جوهرها الموقف من الآخر وذلك بغض النظر عن الأهداف التي يمكن أن نصل إليها نتيجة المواقف. فالصراع الداخلي لم يعد يحمل مضمونا واضحا منذ أن توقف مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وظهرت بعده أفكار حول عدم جدوى طرح مشاريع دولية بل التحكم بالصراعات الداخلية لأنها ستكون كفيلة بتجميد المنطقة.
الثاني عدم قدرة الشرق الأوسط على خلق استقطاب يحاكي ما حدث بعد احتلال العراق، فصحيح أن سورية تعتبر المقاومة خطا احمر، وهي تشكل مع تركيا وإيران عمقا لاستقرار المنطقة، لكن في نفس الوقت فإن هذا المثلث إن صح التعبير لا يشكل استقطابا، وهو لا يريد أن يكون مثل هذا الأمر، لذلك فإن موضوعا مثل المحكمة الدولية يشكل إرباكا لاتجاهات السياسة في الشرق الأوسط التي تريد استيعاب ما يحدث دون أن تخلق "محاور" سياسية.
وفي هذا المشهد فإن "إسرائيل" تعيد تقييم حالة "تفوقها الإقليمي"، حيث تبدو في موضع محدد يحتاج لقراءة جديدة، فمسيرة التسوية التي قدمت "تطبيعا" ولو معنويا لـ"إسرائيل" تنهار بشكل درامتيكي على الأقل في المحيط الجغرافي لها، وهي تعاني أزمة حقيقية مع حلفاء كانوا في السابق يشكلون نوعا من التوازن معها، إيران ومن ثم تركيا، وهو ما يدفعها اليوم إلى رسم تفوقها بشكل آخر، فهي تعيد اليوم رسم جبهاتها وعلى الأخص ضمن "الصراع الداخلي" الذي يمكن ان تسيره المحكمة او غيرها من القضايا التي تظهر تباعا سواء في العراق أو السودان، ولكنها في النهاية تملك رهانا أساسيا داخل هذه الصراعات لأنها الطريقة الوحيدة للتحكم بالمنطقة في ظل تحول المعادلة الإقليمية.