الموضوع السعودي في الواجهة مهما كانت الأسباب التي تدعو لقراءة توجهات المملكة المستقبلية، فمسألة انتقال السلطة فيها فيما لو صحت التقارير عن حالة العاهل السعودي الصحية لن تشكل أزمة حقيقية، فصحيح أن هناك تفاوت في رؤية "آل سعود" حول العديد من الملفات لكن المملكة "وجدت لتكون هادئة"، دون ان يعني هذا الأمر أنها لم تخضع لاختبارات سياسية على الأخص في العقدين الماضيين، لكنها في النهاية "تفرض التوازن" الذي يتوافق مع سياق بنيتها، فالأسئلة الحقيقية التي تواجه الموضوع السعودي مرتبطة بالنظام الإقليمي أكثر من كونها في "النسيج الحاكم".
عمليا فإن الدور السعودي لم يكن يملك تحولات حدية، رغم أن أزمته الدائمة بقيت في "الهامش" الذي يتحرك فيه بحكم الظرف الاقتصادي بالدرجة الأولى، وتأثير الوضع النفطي على الإستراتيجية الدولية التي تنعكس عليه بشكل مباشر، فالتأثير الواسع لـ"الرياض" غالبا ما يأتي على هامش التحول الاستراتيجي الدولي، وهو ما حدث على سبيل المثال بعد الفورة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، أما في بداية الألفية الجديدة فكان هناك "هامش" سياسي مختلف، وكان على الرياض في البدء امتصاص التأثيرات السريعة لاحتلال العراق، لكن في النهاية بدت وكأنها جزء من عملية الاستقطاب.
بالطبع فإن دعوة الملك عبد الله في قمة الكويت الاقتصادية لإعادة ترتيب البيت العربي والمصالحة ترتبط أيضا بـ"هامش" مختلف كان جوهره تحول الإستراتيجية الأمريكية تحديدا عن رسم الشرق الأوسط على طريقة "كولن باول"، فالمملكة كانت تجد نفسها خاضعة لثلاث عوامل أساسية:
•- المكانة المعنوية التاريخية التي كانت تدفعها إلى محاولة امتصاص الأزمات وإعادة إنتاج الحلول، وهو أمر لم يكن يتوافق دائما مع رؤية باقي الأطراف المعنية وعلى الأخص فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية، لكنها كانت صاحبة أكبر المبادرات في التسوية حتى ولو بقيت "المبادرة العربية" حبيسة "النظام العربي" نفسه. •- امتداد المصلحة الخاصة بها إلى مراكز القرار الدولي، فالتكوين السعودي ما بعد النفط هو جزء من التوازن الاقتصادي الخاص بما كان يسمى "الكتلة الغربية"، وهذا الأمر كان ينتج الدور السعودي ضمن توازن حساس لأن إمكانية الصدام مع عدد من الأطراف العربية هو احتمال كبير على الأخص تلك الدول التي كانت على تماس مباشر مع الأزمات (سورية، العراق، مصر). •- مسألة أمن الخليج التي بدت اكثر وضوحا مع انتهاء حقبة الشاه، حيث لم تكن المملكة قادرة على ملء التوازن الذي خلفه سقوط "رضا بهلوي" بشأن أمن الخليج، فظهر الاحتكاك بشكل مباشر ابتداء من الحرب العراقية - الإيرانية وانتهاء بالأزمات الحالية المتلاحقة بالنسبة للدور الإيراني. أزمة الدور السعودي برزت بشكل متسارع مع الأدوار الإقليمية لكل من إيران وتركية، وهو أمر أعاد بشكل أو بآخر توازن المنطقة إلى مراحل سابقة كانت فيها إيران وتركية لاعبين أساسيين قبل الثورة النفطية، لكن مستقبل "سياسة الرياض الإقليمية" ستبقى نقطة حساسة بالنسبة للنظام العربي عموما لأنها في النهاية مستمرة في خلق تفاهمات عربية حول كل الأزمات الإقليمية.