الفكرة أن السياسة قادرة على تضييق مسار التفكير، وجعل الأحلام الاجتماعية مجرد هتافات أو تصريحات يمكن أن تنطلق، وهي في ذلك تدخل في مجال "العلوم التراثية" المطلقة، فنبدأ بـ"الحقيقة" ونكتشف أننا نعيد خنق المجتمع ضمن مبادئ لا نستطيع أن نقدم تعريفا واضحا لها.
أين تبدأ الحقيقة في السياسة وأين تنتهي؟ وكيف نجسد المصلحة السياسة أو نوصفها؟ هي مجرد أسئلة تحيلنا في كثير من الأحيان نحو "الثرثرة" التي تقتبسها وسائل الإعلام من الجلسات الصباحية لـ"سيدات" المجتمع الراقي مع فارق بسيط، فـ"الصبحيات" تحمل على الأقل متعة، بينما تكتسب التصريحات العشوائية سمة ربما تهدد المجتمع بكامله.
في السياسة أيضا تصبح "الحقيقة" سواء كانت "فيمن قتل الحريري" أو هل سيصبح برنامج إيران النووي عسكريا، أبراجا من الوهم الذي يجعل التفكير ترفا أو نوعا من ممارسة "عادة علنية" لكنها فضائحية، فمجرد التفكير ربما سيجعلنا في موضع مسائلة من المحكمة الدولية، أو يدفع "الجمهور" إلى رفع "سيف القيم" في وجهنا، فهل نحن أمام سلم جديد للقيم الاجتماعية؟!
لا أجوبة اليوم عن المستقبل، لأن السياسة التي من المفترض ان تنقلنا نحو رحابة القادم ستسقط ما بين الوهم و "الصياح" او "الشعارات" المجانية، فتصبح البرامج الحوارية نوعا من النشاز الدائم الذي يدفع الكثيرين نحو أول محطة تبث فيلما من "الثقافة الهيوليودية".
هي إذا سياسة لا يمكننا التحول عنها لأنها "قدر ثقافي" على ما يبدو، وهي أيضا سياسة تنصيب التكوين التراثي ولكن بمسميات جديدة، وهي أخيرا "سلطة" تريد فرض مكوناتها حتى ولو كانت لا تقف على أي مساحة حقيقية، فتطرح "الحقيقة" وكأنها المطلق، ويبدو "التحقيق الدولي" أشبه بالفردوس المفقود رغم انه لا يذكرنا إلا بمحاكم التفتيش، بينما ينتقل المجتمع إلى الزوايا الضيقة، وتتناثر على أطرافه الإناث اللواتي أصبحن من "لون سياسي"، فإذا أصبحت الوجوه بلون رمادي فلأنها دخلت في زمن "التبدل السياسي"، أو التحول نحو ""الضيق" و "الضجر".
كأنثى لم أدمن النواح، رغم تحول لوني إلى الرمادي، وبقائي في دائرة البرامج الحوارية وصياح بعض الكتل النيابية، ورغم أنني أسمع كل صباح العناوين العريضة للصحف، وكلماتها التي يتم اختيارها لتكون "جذابة"، لكنني لم أدمن سوى الرغبة بالمفاجأة، والبحث عن "البجعة السوداء" التي تأتي بالمصادفة فتعيدنا إلى زمن التفكير، وتمسح من على أجسادنا "تعب السياسة"، فنستعيد من جديد القدرة على البحث وراء كآبة الحدث، ثم ندرك أن الموضوع في النهاية مجرد سباق محموم نحو رسم ملامح تقليدية، ولكن وبشكل مواز هناك محاولات البحث أو التفكير أو الخروج عن المألوف.
الأكثر شيوعا هو ضجر السياسة... لكن لحظة تفكير ربما تكون كافية......