لم يعد هناك متسع من الوقت حتى نهاية العام كي نقرأ من جديد الحدث السياسي، فعلى طريقة الصحف ووسائل الإعلام هناك جردة حساب للحدث السياسي، تذكرنا دائما بأننا حبيسو التصريحات والتحركات، وأننا نقف دائما بين جهات أربع لا علاقة للجغرافية بها، بل هي تلخص أقطاب السياسة الموزعين على جهات الأربع، ففي الماضي كان هناك يمين ويسار، واليوم هناك موالاة ومعارضة وفرق أخرى تهرول باتجاهين مختلفين دون أن ندري لماذا.
الصورة السياسية لا تحتاج لقراءة وتحليل بالنسبة للكثيرين، فهناك نوع من المواقف المسبقة، وهناك وسيلة تفكير تسيطر على العقل فتعيد رسم الخطوط مهما اختلفت، ولكن ماذا لو رسمنا لوحة سياسية؟! وماذا لو قررنا تلوين الموقف السياسي بألوان الطيف؟! هي مجرد فكرة لإعادة الاستقطاب على طريقة "أنثى" تريد أن تتخيل، وهنا فإن البعض سيبدو بشكل "مبرقع" ليس لأنه يجلس في "خندق مقاوم" إنما لأنه يقتبس من عواصم العالم ألوانا مختلفة، فهو القادر على البقاء في الجو أطول فترة ممكنة، ومواقفه مبرقعة أيضا تغرينا بـ"تيه" سياسي، فننتقل على الكلمات المزينة أحيانا بمصطلحات غريبة، أو نتلعثم مع عدم القدرة على النطق بالعربية أيضا.
وفي الصورة أيضا لون يصر على مزج الأبيض بالأسود فيظهر الرمادي وكأنه اختراع جديد، والمشكلة أن هذا الاختراع يظهر حتى في التصريحات السياسية، فيعتقد بعض من يملكون هذا اللون أنهم اكتشفوا مجرة جديدة في الكون، وتبدأ مسيرة جديدة من افتراض "الإبداع" السياسي، لكن المشكلة الحقيقية أن هذا "الإبداع" يظهر في أصغر ساحة سياسية، فيشعل المعارك أو يجعل الناس قلقين من حجم الكلمات التي ترافق هذا اللون.
هي السياسة التي لا تملك سوى التلوين المستمر، لأنها بارعة في استخدام ما تملكه من طيف يمكن مزجه في كل لحظة، فتظهر أمامنا سحب غير ممطرة، وواحات لا تحوي ماء، وغابات على وشك ان تختفي، فنغرق في مساحة المواقف وفي الحركات التي تجلب لنا أحيانا ضمانات أمريكية مكتوبة لـ"إسرائيل"، وأحيانا أخرى أخبارا عن "قرار ظني" لا نعرف منه إلا الإيحاء بمجزرة جديدة ربما سترتكب لاحقا.
جرد الحدث السياسي هو "فوضى الألوان"، فالتصريحات عمرها قصير، ومن الصعب تذكر ما قيل قبل ساعات، فنقف على حبل طويل من التناقض الصارخ، لكننا في النهاية نحاول أن نضعه داخل ترتيب خاص في نهاية العام، فنعيد التلوين من جديد ونخرج عن إطار المنطق الذي يحكم الزمن، فهل يمكن بالفعل وضع تصور عام لما حدث ويحدث!!!
هي سياسة لا ترتاح... وتعب ينقلنا دائما إلى مساحات القلق الذي نريد الهروب منه، فنعلق فيه لأن "السياسة الملونة" تعيدنا إليه عبر طريق طويل يبدأ وينتهي بتلك الفوضى التي ترتسم بشكل دائم عند محاولة النظر إلى الخلف لمراجعة عام كامل.