طالما أرقني موضوع السؤال لأنه في بعض من الأحيان لا يبحث عن مساحة المعرفة، وعلى الأخص إذا كان الجواب احتمالات وعلينا الاختيار، فهذا النوع من الأسئلة لا يحمل أي مضمون بحثي بل مقدمة لحملة شك واسعة حتى ولو كانت الأسئلة مقدمة على سياق يبدو علميا او منسقا أو مدعوما بوقائع تؤدي بشكل تلقائي إلى السؤال....
"أسئلة الشك" هي بداية خلق الإرباك داخل أي شخص أو تنظيم، وما يحدث بعد تقرير C.B.C حول اتهام حزب الله يماثل إلى حد بعيد الأسئلة التي تنطلق قبل "جريمة الشرف"، ومهما بدت المقاربة بسيطة لكنها حقيقية لأبعد الحدود، لأن السؤال من البداية يحمل رائحة الدم أو محاولة التصفية، فالهدف هو في النهاية دفع "رجل" لقتل أخته أو زوجته، أو دفع مجتمع لمحاصرة تيار أو حزب، أو خلق "جو" خاص من أجل رسم ملامح دولية تخنق هامشا سياسيا متاحا اليوم.
وطالما أرقتني تلك الروايات التي تحمل معها روايات نقيضه، لأنها في النهاية تحمل بوادر الصدام، وفيها أسئلة تجابهها أسئلة أخرى حتى نصل إلى حل وحيد هو التخلص من الهاجس فنظلم أحدا أو نخنق أنفسنا داخل أسوار خاصة، فليس غريبا أن يظهر تقرير أجنبي حول حزب الله، ولكن الأمر الذي لا يمكن احتماله هو أن تصبح جريمة بحجم اغتيال رفيق الحريري مجال سجال للتحريض من جديد، فنستعيد شكوكنا أو نتسلح بافتراضات لم نعد واثقين من صحتها بحكم تجربة التحقيق بمثل هذه الاغتيالات.
المسألة ليست دفاعا عن حزب الله، لأن ما يحدث يتكرر على الساحة الاجتماعية يوميا، وهو نوع من الاستنساخ لآلية قادرة على التسرب باتجاه مجتمعنا بينما ستمر في الغرب وكأنها شأن عابر بعد أن تكرس قناعات تجاه حزب الله فقط، فمن المستبعد أن يهتم أي كندي أو أمريكي للبحث في مسألة من اغتال الحريري، فقضاياه الشخصية ستدفعه مباشرة نحو موضوع جديد في اليوم التالي، والتعبئة التي يمكن أن تحدث هي في منطقة الجريمة، وهي "خلق جديد" لمجال الشك الذي على ما يبدو أننا نعشقه.
حزب الله نسف الرواية الكندية "تقنيا" في مؤتمر صحفي عن "الاتصالات"، واتضح في مسار المؤتمر أن كل الاتصالات يمكن أن تكون بيد "إسرائيل"، فالرواية الكندية لم يعد لها معنى، لكن كيف يمكن أن نجعل "النسف التقني" نسفا اجتماعيا... بالتأكيد فإن هذا العمل سيكون بعيدا عن الإعلام، وهو يحتاج لجهد أكبر من إيجاد مصدر للمعلومات، فالشك لم ينسف الثقة فقط بل أراد الدخول إلى التشكيك باتجاه سياسي ظل حزب الله يفتخر به دائما.
التقرير الكندي يثبت أننا مخترقون ثقافيا وليس عبر أسئلة الشك التي رماها التقرير أمامنا بشكل "احترافي"... لكن الأهم هو كيف سننهي ذلك الشك الذي أصبح جزء من تفاصيل حياتنا اليومية.