هناك ما يقلق في المشهد المضطرب الذي يجعل المجتمع وكأنه في سباق من نوع جديد، ففي جغرافية "الشرق الأوسط" صورة لدولة يهودية تحمل في مضمونها محاولة لـ"قهر التنوع"، وفي المقابل هناك صورة "إعلامية لا تبدو أنها تعاكس هذا التصور، أو حتى "تكوين افتراضي" لصراعات مذهبية يعتقد البعض أن حدها الفاصل هو القرار الظني، ولكن بعيدا عن السياسة فإن المسألة تحتمل الشكل الثقافي الذي يمكن أن يظهر مستقبلا، فمسألة "التحام" المعتقدات على شاكلة سياسية افتراضية هو شأن يقلق في منطقة يصعب فيها مثل هذا النوع من التماس لأنه "حكم بالإعدام" على الجميع.
في مساحة الوطن لا يمكن قراءة حرف واحد لا يحمل معه تسلسلا تاريخيا، وفي نفس المساحة هناك صور كثيرة تبدو وكأنها متراصة بشكل يجعلها "لوحة" لا نستطيع النظر إليها إلا بكليتها، فالمسألة ليست بقرار ظني ضد تيار أو حزب أو حركة مقاومة، بل محاولة اختراق ثقافة لا يستطيع استيعابها إلا من عايشها فشكلت تفاصيله، وعندما تظهر الصورة تكريسا للون واحد أو محاولة لجعله "منهجا" ابتداء من الدولة اليهودية وانتهاء بـ"إمارة العراق الإسلامية" فإننا ندرك أن تعلقنا بكافة الرموز لا يشكل مخرجا بل هو صورتنا الحقيقية، وقدرتنا السابقة على الاستمرار والبقاء بدلا من الهجرة.
هل فُرغ العراق من بعض مكوناته؟ وهل عملية التفريغ طالت فئة واحدة؟ وهل المصير يقود نحو مجابهات متتالية تقود إلى هجرات ابتداء مما حدث في القرن التاسع عشر عندما خلف السوريون وراءهم قراهم واتجهوا نحو "العالم الجديد"؟ هذا الواقع أنتج "ثقافة" خاصة وأدبا مهجريا وربما طبقة سياسية من أحفاد المهاجرين لا نعرفهم إلا عندما يتبع البعض، مثل جهاد الخازن، ليصل بعض الخطوط....
هي أكثر من مجرد "ديسابورا" على الطريقة "اليهودية"، لأنها تصرف يعاكس الطيف الذي يظلل الوطن من أقصاه إلى شواطئ المتوسط، وهو أيضا طيف يبقى في حالة تماس دائمة مع "السياسة" التي تدرك دائما أن القدرة على التحكم تبدو أسهل في لحظات رمادية تصبح فيها الهوية مشوشة والحضارة مجرد مقاطع من كتب التاريخ...
"دولة يهودية" ستشكل ارتكاسا لعالمنا المنفتح بامتياز وتفتح نافذة لرؤية واقع طالما اختبرناه على امتداد التحول الديمغرافي الذي ضرب منطقتنا... لكن المسألة ستبقى لأن هذا الوطن يتسع بحجم الإيمان وربما بمساحة القدرة على التخيل والحلم وعلى رسم "عمران" مختلف قادر على جمع الأقصى وكنيسة القيامة في بقعة واحدة وجعلهما خطا أحمر في مواجهة المرويات التوراتية.